في خطابه المتميز في الأمم المتحدة ، ركز الملك عبد الله الثاني على عدد من النقاط تأتي في مقدمتها مواجهة الفكر المتطرف و الإرهاب كمسؤولية إسلامية و دولية، و الحل السياسي العاجل للمسألة السورية، و إنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والتوقف عن انتهاك حرمة الأماكن المقدسة و في مقدمتها الأقصى. ومن المفترض أن تبدأ الأقطار العربية و الإسلامية بالتحرك والمبادرة في هذا الإتجاه حتى يكونوا عاملا مشجعا للمجتمع الدولي لكي يأخذ الأمر بالجدية التي حملها خطاب الملك في ذلك المحفل الدولي الهام.
ففي مواجهة الفكر المتطرف لا زال الدور العربي و الإسلامي مترددا و مبعثرا و بعيدا عن الحسم والجدية و العمل المشترك و خاصة على الصعيد الأفكار و الأيديولوجيا والثقافة. و يكاد ينحصر العمل ولدى كل دولة على انفراد بالجانب الإعلامي و السياسي. و بالتالي لم تأخذ مؤسسات العمل العربي المشترك و المؤسسات الدينية الوطنية و الإسلامية و الحركات الإسلامية المعتدلة مواقف و إجراءات فكرية صريحة و خاصة من المواد التي يستند إليها الفكر المتطرف.
أما الإرهاب فالعمل الدولي ضده غائم وضبابي و لم يصل مستوى الحسم رغم وصول عدد الضربات الجوية الموجهة ضد داعش أكثر من 6800 ضربة. أين تذهب تلك الضربات و أين أجهزة الرصد والمتابعة الدقيقة؟ و أين الأقمار الصناعية و أقمار التجسس التي ترصد السيارة الواحدة قي حركتها ؟ لا أحد يدري. بل أصبح الموضوع مفتوحا للقوى الدولية لكي تستخدمه في تنافساتها و نزاعاتها على مناطق النفوذ، و في حل مشكلات دولية أخرى، و هذا ما نراه في سوريا والعراق. إضافة إلى أنه هناك تكتم دولي شديد كي لا تعرف مصادر تزويد الحركات الإرهابية بالأسلحة والمعدات والآليات الحديثة. من يستورد لها السيارات من اليابان و كوريا وألمانيا و ايطاليا؟ و الأسلحة والأجهزة من دول أوروبية أخرى و من الولايات المتحدة؟ و كيف تحول الأموال و من يشتري النفط العراقي و السوري و من أي موانئ يجري شحنه إلى السواق العالمية؟ و هذه واحدة من المسؤوليات الرئيسة على المجتمع الدولي مواجهتها.
أما الإحتلال الإسرائيلي فهناك إجماع دولي، و كما أكد الملك، بأن عدم حل القضية الفلسطينية و حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه التي أقرتها المواثيق و القرارات الدولية ، و تمكينه من إقامة دولته على ترابه الوطني بما فيها القدس بكل مقدساتها،كل ذلك من شأنه أن يؤجج نار الإضطراب والحروب في المنطقة، و يعطي للتطرف فرصة بادعاء المظلومية التي يتلبسونها لتبرير العنف و الإرهاب.و هنا تصبح المسؤولية العربية والدولية والفلسطينية للضغط على إسرائيل بكل الوسائل الممكنة حتى تنهي إحتلالها الوحشي القبيح مسؤولية ملحة و عاجلة.
أما سوريا، فبإعلان الروس عن نشاطهم العسكري المفتوح للمحافظة على نظام الأسد من الإنهيار، و تدفق المقاتلين الإيرانيين على سوريا عبر العراق، و تفويض البرلمان الروسي الرئيس بوتين إرسال قوات روسية للقتال،و إنشاء مكتب تنسيق روسي أيراني عراقي سوري يكون النظام السوري قد تخلى كلية عن دوره و مسؤولياته، و تحول إلى ورقة بأيدي اللاعبين الحقيقيين خارج سوريا, وقد أتفق الكثيرون من قادة العالم على أن رحيل بشار الفوري أو المؤجل يمثل البوابة الرئيسية للحل السياسي و قد وجه العديد من الشخصيات و الكتاب و السياسيين المحترمين نداء إلى الرئيس السوري بشار الأسد يناشدونه الاستقالة، حتى يمكن للمجتمع الدولي أن يتحرك بثقة أكبر ليساهم في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية الكارثية، و حتى يمكن لسوريا أن تنتهي من الحرب الأهلية المدمرة، وتصل إلى حالة من الوفاق الوطني، وتبدأ مرحلة جديدة بعد أن أصبحت تقترب شيئا فشيئا من الصومال، بكل التدخلات الأجنبية، والمجموعات المتطرفة، وانهيار مؤسسات الدولة. و هذه الدعوة بطبيعة الحال مرفوضة من الجانبين الروسي و الإيراني و لا يملك الأسد إلا أن يتحرك بالإتجاه الذي يطلب منه.
إن الدعوة إلى الإستقالة تثير لدى المواطن العربي شجونا وأسى. أن يستقيل زعيم دولة عربية طواعية ودون حرب ودون دماء؟؟ هذا من عاشر المستحيلات وليس سابعها. حتى لو انزلقت بلاده في أزمة كارثية كان هو سببها ومشعلها، حتى لو دخلت بلده في حرب أهلية تمزقت الدولة على إثرها، فلن يستقيل. ذلك أن مفهوم الحكم في المنطقة العربية وفي العقل العربي و كما يجسده بشار لا زال كما كان منذ مئات السنين. وهو “تملك السلطة والسلطان مهما كانت الشروط”. و”لا ينتهي هذا التملك إلا بالموت أو بانقضاض شخص جديد على الحكم ليقتل من سبقه ويجلس محله، ويعيد تكرار نفس المشهد”. أما الحديث عن التعاقد والعقد الاجتماعي، وان الحكم ما هو إلا تكليف مؤقت من الناس، ولفترة زمنية محددة ومشروطة بحسن الإدارة وسلامة الأداء، فهذا لا نجده إلى حد كبير في العقل ولا في الضمير العربي الرسمي . لماذا تغير العالم من أقصاه إلى أقصاه، ولم يتغير العرب؟ ولم يخرجوا من ظلمات الماضي غالى أنوار الحاضر؟. لماذا تصبح دول تتمتع بالحرية والديمقراطية والعدالة بعد فترة وجيزة، ويستمر العرب في تراجع وجدال حول الماضي وحول السلطة؟ وهم غير قادرين على حماية بلدانهم أو شعوبهم أو حتى مقدساتهم.
حتى الرئيس الذي يضطر لان يتخلى عن الموقع بعد استنفاذه المدة القانونية يسارع إلى التآمر على بلاده، واستجلاب الأجنبي ليدمر البلاد ويقتل العباد، على أمل أن يعود ذليلا إلى سلطانه، متباهيا بجبروته أمام مواطنيه، كما هو الحال مع علي صالح في اليمن ، و بشار في سوريا تماما كما كان ملوك و أمراء الطوائف الذين كثيرا ما تحدث عنهم الراحل حافظ الأسد يفعلون قبل مئات السنين.
والغريب أن المنطقة لا تتشهد نزاهة سياسية إلا ما ندر. هناك أكثر من 15 برلمانا عربيا تكاد لا تفعل شيئا في الأزمات الراهنة المتتالية، و معظم هذه البرلمانات تكون عرضة للتلاعب في إرادة الناخبين بشكل أو بآخر. و يحاول البرلمان أن يعيد إنتاج ذاته وليس هناك من حياة برلمانية عربية حقيقية لا تتدخل فيها السلطات التنفيذية بطريقة أو بأخرى, و هذا ما يدفع الحكام إلى مزيد من التسلط و التشبث بالسلطة. المنطقة العربية لا ترى المستقبل إلا غائما ضبابيا . فهي تلبس ثياب القرن الحادي والعشرين وتعيش في مفاهيم وممارسات القرن العاشر، وهذا لن يؤدي إلا إلى مزيد من الصراع ومزيد من الحروب الأهلية ومزيد من التفتت في كل اتجاه. فهل تكون هناك يقظة تبعث الأمل ؟