نتنياهو.. رحلة الدجل والاستجداء

 قبل أيام قليلة من رحلة الدجل والاستجداء التي قام بها نتنياهو إلى الكونغرس صدرت قرارات ثلاثة مرت دون متابعة: الأول قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. والثاني قرار الكنيست الصهيوني برفض قيام دولة فلسطينية والتحلل الكامل من التزامات أوسلو تجاه الضفة الغربية بما فيها القدس تمهيدا لإعلان ضمها إلى إسرائيل. والثالث إعلان بكين بإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية.جاءت رحلة نتنياهو إلى واشنطن بعد عشرة شهور من حرب الإبادة الجماعية التي تقترفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، وارتقاء 40 ألف شهيد و100 ألف جريح فيها، وتدمير كامل البنية التحتية في القطاع، واعتقال 10 آلاف فلسطيني في الضفة الغربية، والزحف الممنهج بهدف تدمير الوطن الفلسطيني وتهجير مواطنيه ابتداء من المنطقة ج لتليها المنطقة ب وبتأييد مطلق من الولايات المتحدة الأميركية، وعجز كامل من المؤسسات الدولية بسبب الضغوط الأميركية، وغياب مريع ومؤلم للأقطار العربية باستثناء الأردن، وسكوت غير بريء من بعض دول أوروبا. أما الجامعة العربية فقد تم شطبها من القاموس السياسي العربي والدولي، أما العلاقات الأميركية العربية والتحالفات الإستراتيجية هنا وهناك، فليس لها أثر فاعل على مجريات الأحداث. كل ذلك جعل نتنياهو بعنجهيته النازية يذهب إلى الكونغرس ليلقي خطاب حرب يفيض بالدجل والكذب والتباهي ليقول للأميركيين “أعداؤنا هم أعداؤكم”. ولكي تنتصر قوى الحضارة يجب أن تبقى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل متحدتين، هذا ليس صراعا بين الحضارات وإنما هو صراع بين الهمجية والحضارة”. نعم إنه “زمن التفاهة”: إذا كان حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال همجية، ولكن قتل الأطفال والنساء وتدمير المستشفيات والمدارس والمرافق العامة  بالأسلحة الأميركية، ومنع الماء والطعام عن 2.3 مليون مواطن في غزة، والتنكر للقوانين الدولية والإنسانية هو الحضارة التي يدافع عنها نتنياهو. نعم لم يجرؤ هتلر بنازيته الكريهة على مثل هذا القول. ويدعي نتنياهو ان ما تقوم به إسرائيل ما هو إلا دفاع عن الولايات المتحدة الأميركية، وهو “يقود الحرب حماية للأميركيين ولمصالحهم”.
 واستعمل نفس الكذبة الكبيرة التي يكررها دائما فقال إن انتصار حماس يعني انتصارا لإيران وانتصارا لحزب الله. ورغم عزوف عدد كبير من أعضاء الكونغرس عن حضور خطابه وعزوف كاميلا هاريس ايضا، إلا أنه يتظاهر بالبطولة المزيفة أمام مصفقي الكونغرس أو جلاس الكراسي الذين صفقوا له 79 مرة خلال 54 دقيقة. 
ويعمل نتنياهو بكل الوسائل على إفشال المفاوضات لأنه يحاول إطالة أمد الحرب الى ما بعد الانتخابات، على أمل فوز ترامب في الرئاسة ليعود الطفل المدلل للرئيس الأميركي الذي وافق له على ضم القدس وضم الجولان وتجاهل الحق الفلسطيني.
إن التحدي اليوم أمام أطراف أربعة الأول: الفصائل الفلسطينية، وقد وقع 14 فصيلا، من بينها حماس وفتح، في العاصمة الصينية في إعلان بكين يوم 7/24  على إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة وطنية تضم كافة الأطراف. فهل تلتزم الفصائل وعلى رأسها حماس وفتح بإعلان بكين والخروج خلال أيام قليلة تماماً بحكومة توافق وطني؟ دون تكرار ما حصل بعد لقاء موسكو ولقاء الجزائر ولقاء القاهرة ولقاء الرياض وغيرها. التحدي أن تثبت الفصائل الفلسطينية أن الوطن الفلسطيني أهم من المكاسب الشخصية أو الفصائلية وأن تدرك أن الفرصة الراهنة التي يعززها التعاطف العالمي الشعبي في كل عواصم العالم، ورغم ثمنها الباهظ من أرواح الأبرياء ودماء الشهداء وإنسانية المواطنين، هذه الفرصة إذا أضاعتها الفصائل أو أضاعها الرئيس الفلسطيني فلن تتكرر. الثاني: الجانب العربي فلا يعقل أن تستمر الحرب طيلة 290 يوما دون أي إجراء عربي متماسك ومتوافق عليه، يجبر الولايات المتحدة على تغيير موقفها من الدعم الأعمى للعدوان الصهيوني. ولا يعقل ان لا تدرك الأقطار العربية المخاطر الكارثية التي يمكن أن تتعرض لها إذا نجحت قوات الاستعمار الصهيوني في هزيمة المقاومة. الثالث: منظمات المجتمع المدني والأحزاب العربية. إذ ما يزال صوت هذه المنظمات خافتا خجولا حتى في الضغط السياسي والقانوني والإنساني 
والمقاطعات الشعبية. الرابع: الإعلام العربي، حيث يستدعي الأمر أن يخاطب العالم لتبيان الوحشية الهمجية الإسرائيلية أمام جهد الفلسطينيين للتخلص من الاحتلال وتقرير مصيرهم بيدهم  وباختيارهم الحر.
نتنياهو يذهب إلى واشنطن ليقرأ اكذوبته التاسعة والخمسين بعد الألف وفي نفس الوقت يستجدي الأميركيين لإعطائه مزيدا من السلاح ومزيدا من المال ومزيدا من الوقت حتى يستكمل حرب الإبادة والتجويع التي أصبحت سفينة إنقاذ سياسية بالنسبة له.
ليس هناك من بديل عن الصمود الشعبي الفلسطيني رغم المشقة والآلام، ولا بديل عن وحدة الصف الفلسطيني بعيدا عن عقد الماضي وعنتريات الإعلام ودسائس إسرائيل والوعود الواهمة هنا وهناك، ولا بديل عن التحرك العربي الشعبي والرسمي والثقافي  والإعلامي للدعم والمساندة والضغط على إسرائيل وحلفائها.