قطاع النقل.. ركن أساسي للتنمية

في مؤتمرها الصحفي الذي عقدته في وزارة الاتصال الحكومي، استعرضت وزيرة النقل السيدة المهندسة وسام التهتموني موضوع النقل والبرامج الهادفة إلى تحسينه، وجهود الوزارة والمؤسسات الأخرى العاملة في القطاع. وكان التركيز على نقل الركاب وخاصة في العاصمة عمان وعلى الطيران المدني كذراع مهمة في قطاع النقل. ولا شك أن الوزارة ومؤسساتها تبذل جهودا تستحق الثناء لتحسين خدمات النقل. ولكن الإستراتيجية التي من شأنها إحداث تطوير جذري للقطاع والانتقال به إلى مستوى متقدم يتماشى مع الثورة الصناعية الرابعة وعصر الروبوتية والرقمية والكهرباء والتغيرات المناخية كانت غائبة، فالنقل في المحافظات وبينها غاب عن المشهد، إضافة إلى غياب النقل الخاص بالبضائع والسلع المختلفة، سواء كانت لغايات الاستيراد أو التصدير. فميناء العقبة وحده يتعامل سنويا مع ما يقرب من 14 مليون طن من مختلف البضائع، تخرج أو تدخل وتتنقل في البلاد طولا وعرضا. فما دور وسائط النقل في هذا الجانب الاقتصادي البالغ الأهمية؟ ولا بد من الإقرار بأن الإنجاز في القطاع بأكمله ما يزال محدوداً وبعيداً عن التطوير الجذري و”الرؤية المستقبلية التي تربط ما بين النقل والطاقة والبيئة والاقتصاد” حتى يكون القطاع قاطرة للنمو الاقتصادي وللحركة المجتمعية ولإعمار القرى والأرياف، والحد من الهجرة من الريف إلى المدينة والتي تجاوزت 82 %.

لقد تنامى عدد السيارات لدينا حتى وصل 2.12 مليون سيارة أي بواقع سيارة لكل 5.4 شخص مقابل المغرب سيارة لكل 9.3 شخص ومصر سيارة لكل 13.4 شخص، بكل ما يعني هذا العدد من ازدحام وتأثير على المناخ وانبعاثات كربونية تصل إلى 65 % من مجمل الانبعاثات، وكلفة اقتصادية باهظة تتعدى 11 % من الناتج المحلى الإجمالي. المشكلة الأساسية لدينا أن النقل للأشخاص والبضائع ما يزال يعتمد على المركبات الفردية في ظل غياب النقل الجماعي المنتظم الذي يشمل انحاء المملكة ويشمل مختلف مناطق  العاصمة والمدن الكبرى. وهذا أدى إلى تفاقم خمسة جوانب عالية الخطورة ومرتفعة الكلفة. اولا: الازدحام على الطرق. ثانياً: طول زمن الرحلة بتكاليف الوقت. ثالثا: حوادث الطرق المتزايدة حيث يحتل الأردن المرتبة الثالثة عالميا في الحوادث وبكلفة تتجاوز 600 مليون دينار سنويا. رابعاً: الكلفة المرتفعة للنقل بالنسبة للمواطن وللاقتصاد الوطني وللمرافق الإنتاجية وتأثيرها على كلفة المنتجات الأردنية وتنافسيتها، إذ يستهلك قطاع النقل 48 % من مجمل الطاقة المستهلكة. خامساً: زيادة التلوث البيئي نتيجة للابتعاثات الحرارية والغازية وخاصة في العاصمة والمدن الأخرى.
من جانب آخر فإن الأردن يستورد سنوياً ما يزيد على 3 ملايين طن من النفط الخام إضافة الى 3 ملايين طن من المشتقات النفطية لم يتناولها المؤتمر الصحفي، وهذه كلها يتم نقلها من العقبة أو الحدود العراقية ويتم تداولها من خلال الصهاريج على الطرق، بكل ما يحمل ذلك من مخاطر وكلف صيانة للطرق والمركبات وحوادث وخلافه. إن استيراد المواد النفطية سوف يستمر لسنوات طويلة، فهل يبقى الحال كما هو الآن؟ وكم سيصبح عدد السيارات وكلفة صيانة الطرق وقيمة الوقت المستنفذ في النقل بعد 10 أو 15 سنة؟
السؤال الذي لا يجد الباحث له جواباً: لماذا التغاضي المبهم عن السكة الحديد كوسيلة نقل للأشخاص والبضائع والنفط ومشتقاته، وهي مرفق أساسي في معظم دول العالم؟ علما بأن التلوث الناتج عن القطارات لا يتجاوز 14 % من تلوث السيارات و20 % من تلوث الطائرات. وقد مرت عليها وزيرة النقل مروراً عابراً للغاية.
لقد دخلت السكة الحديد الأردن منذ 116 عاماً وربطت عمان بمعان بالعقبة بالمدينة المنورة في حين امتدت شمالا إلى دمشق حتى  اسطنبول. واليوم يكاد لا يوجد بلد إلا ويعتمد النقل فيه على السكة الحديد ابتداء من دول ضخمة مثل أميركا وروسيا والصين وانتهاء ببلدان صغيرة المساحة مثل قبرص وهولندا.
وهنا لا بد من التأكيد على النقاط الرئيسية التالية؛ اولاً: السكة الحديد هي المدخل الصحيح لحل مشكلة النقل بجانبيه الأشخاص والبضائع على المستوى الوطني ومستوى المحافظات والربط المستقر مع الدول العربية المجاورة. ثانياً: ان السكة الحديد هي المدخل البيئي الصحيح لتخفيف الانبعاثات الغازية والحرارية ومراعاة المتطلبات المناخية ولتخفيض استهلاك الطاقة. ثالثا: ان السكة الحديد هي البوابة التي تتيح للمستثمرين ان يقيموا استثماراتهم ومصانعهم ومزارعهم في المحافظات بعيدا عن العاصمة ويخفض من كلفة النقل في العملية الإنتاجية. رابعا: إن كلفة السكة الحديد بعد التطوير الهائل في القطارات أصبحت محتملة، والحديث هنا عن 2.5 مليار دينار لبناء الخط الرئيسي من العقبة إلى الرمثا. ويمكن للتمويل أن يكون من خلال شركات مساهمة وطنية تساهم فيها الحكومة والقطاع الخاص والضمان الاجتماعي والبنوك. خامسا ضرورة الاهتمام بأرصفة المشاة والدراجات الهوائية والكهربائية والتقيد بذلك في تنظيم المدن والطرق.
إن التطلع نحو “المشروع الصهيو أميركي” الذي يهدف إلى ربط المنطقة العربية بشبكة سكة حديد بدايتها في حيفا مرورا بشمال الأردن إلى السعودية والإمارات يجب أن يتوقف رغم الضغوط الأميركية. فالعدو الصهيوني “يسعى للسيطرة على مفاصل المياه والطاقة والنقل” خاصة بعد تدمير ميناء بيروت من عملاء إسرائيل. وهو لا يؤتمن على شيء، وله اطماعه الاستعمارية المتوحشة.
وأخيرا فإن قطاع النقل بحاجة إلى تطوير جذري في إطار إستراتيجية وطنية تقرأ المستقبل وعمودها الفقري السكة الحديد، حتى يتيح الفرصة لنمو اقتصادي أسرع وإعمار للمحافظات أكثر شمولاً وديمومة واستقرارا.