تتصاعد أرقام القتل والإبادة والوحشية الصهيونية الإسرائيلية في غزة بشكل لم يكن أحد ليتوقعه أبداً. فبعد ارتقاء 35 ألف شهيد وإصابة 75 ألف جريح، وتدمير كافة المرافق والبنية التحتية، وإجبار 2.3 مليون نسمة ليتركوا بيوتهم المدمرة ويأووا إلى الخيام في فصل الشتاء، وبعد المجازر والمقابر الجماعية في وسط المدن والمستشفيات في القطاع، يستعد نتنياهو وعصابته لاجتياح رفح التي يعيش فيها 1.5 مليون فلسطيني رغم التحذيرات من جميع الدول والمؤسسات الأممية، ورغم الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم بما فيها الجامعات الأميركية. فأي دموية وهمجية وحقد على الإنسانية أكثر من ذلك؟ وعلى الجانب الآخر فإن الكيان الصهيوني الاستعماري الحاقد يشن «حرباً منظمة مزدوجة على الضفة الغربية» بكل من وما فيها. فقوات الجيش والشرطة الإسرائيلية تداهم القرى والمدن والمخيمات يومياً، وتقتل وتعتقل العشرات حتى تجاوز عدد المعتقلين في الضفة 8600 مواطن فلسطيني بين رجل وامرأة وصبي. وغدت الجرافات جزءا لا يتجزأ من آليات الحرب للعدو، والهدف تدمير البنية التحتية، وتجريف الطرق، ووضع العوائق أمام المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، ومنع المواطنين الفلسطينيين من الذهاب لأعمالهم من خلال مئات الحواجز في كل مكان، وإيقافهم وتأخيرهم على الحواجز ساعات طويلة. هذا في عين الوقت الذي تتحرك فيه قطعان المستعمرين المسلحين وبحماية الجيش والشرطة لمهاجمة الفلسطينيين وحرق ممتلكاتهم من سيارات إلى منازل إلى محلات إلى مشاغل ومنعهم من الوصول إلى مزارعهم وتقطيع الأشجار وحرق بعضها. كل ذلك بهدف جعل الحياة في القرى الفلسطينية غير ممكنة. وللأسف فإن تفاصيل ما يجري في الضفة الغربية في كل مدنها وقراها ومخيماتها لا يحظى بالتغطية الإعلامية اللازمة، أولا لفداحة ما يجرى في غزة، وثانياً لإبعاد الإعلام وتعتيم الأضواء على الحرب غير المعلنة في الضفة الغربية.
وهنا لا بد من ملاحظة عدد من المسائل على النحو التالي:
أولاً: أن الكيان الصهيوني يريد ابتلاع الضفة الغربية بكاملها بشتى الوسائل الممكنة باعتبارها الحلقة الثالثة من المشروع الصهيوني التوسعي الكبير.
ثانياً: أن جميع ما تقوم به إسرائيل ومنذ العام 1948 وحتى اليوم من محاولات التهجير والتضييق على الفلسطينيين يندرج تحت بند جرائم الحرب والإبادة الجماعية ومخالف لاتفاقية جنيف الرابعة.
ثالثا: أن رفض الكيان لوجود دولة فلسطينية مستقلة على الأرض الفلسطينية، ورفض الكيان لقبول الفلسطينيين كمواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات (حل الدولة الواحدة)، يحمل رسالة قوية إلى جميع مؤسسات الكيان المدنية والعسكرية؛ أن لا مستقبل ولا بديل عن العمل بالسر والعلن على تحفيز التهجير بشتى الوسائل والأساليب.
رابعا: أن برنامج التهجير المكثف الحالي وفي ظل «الغياب العربي المريح»، والدعم الأميركي الكامل، قد يستغرق حسب التقديرات الصهيونية من 10 إلى 20 سنة. وغالباً ما ستلجأ إسرائيل إلى التهجير من مكان لتنتقل إلى أماكن أخرى لتضع الدول العربية تحت الأمر الواقع بقبول المهجرين لأسباب إنسانية.
خامسا: أن الكيان يعمل على الاستفراد بالقرى والتجمعات السكانية الصغيرة لإجبار أهلها على الرحيل من خلال مصادرة الأراضي وإقامة المستعمرات وتسليط قطعان المستوطنين والاعتداء على الممتلكات.
سادسا: على الدول العربية منفردة ومجتمعة والسلطة الفلسطينية أن ترفع قضايا ضد إسرائيل في المحاكم الدولية (العدل والجرائم) بسبب ما تقوم به من جرائم الإبادة والتهجير القسري وغيرها. وعلى الدول الإسلامية أن تفعل كذلك حماية للأماكن المقدسة.
وأخيراً فإن الجشع والصلف والعنصرية الإسرائيلية التوسعية التي بزّت النازية لم يعد لها حدود، وهي تنعم بالغطاء الأميركي المطلق والدعم الأوروبي، رغم كلمات الاستنكار الدبلوماسية هنا وهناك. وليس أمام الفلسطينيين إلا الصبر والصمود والمقاومة وتوحيد الصفوف وإصلاح الإدارة. وعلى العرب أسوة بالأردن، تقديم الدعم الحقيقي المادي والسياسي والقانوني وعدم الاكتفاء بالشجب والتنديد. الحرب ستطول والضغط على غزة والضفة لن يتوقف إلا إذا تغيرت الموازين.