تشير الأرقام الأولية للتعداد السكاني « بأن عدد السكان في محافظة العاصمة 4 ملايين نسمة « . والرقم ضخم بكل المقاييس الخاصة بالأردن، ويتطلب مراجعات كثيرة، حتى لا تستفيق الدولة خلال السنوات القادمة لتكتشف أن العاصمة تعاني من إشكالات عميقة يصعب إصلاحها،خاصة و أننا لا نتحدث عن نمو سكاني إعتيادي و إنما تداخل الوطني مع اللاجئين من دول عربية مجاورة. وإذا أخذنا عام 2030 منصة للنظر إلى ما يمكن أن تصل الأمور إليه فمن الممكن الإِشارة إلى النقاط التالية 1 سيصل عدد السكان عام 2030 إلى ما يقرب من 7 مليون نسمة يضاف إليهم 1.5 مليون أثناء ساعات العمل. وهذا سيجعل المدينة شديدة الإزدحام ليلا نهارا و عرضة للأزمات الموسمية و يرفع من تكاليف المعيشة فيها بشكل يفوق الإمكانات الإقتصادية للكثير من المواطنين . 2: أن المرافق الأساسية من طرق رئيسية و فرعية إلى شبكات المياه والمجاري و تصريف الأمطار، إلى شبكات الكهرباء ستصبح في وضع حرج صيفا و شتاء لأنها ليست مصممة لهذه الأعداد الضخمة من السكان و ليست هناك ترتيبات مالية و هندسية للمحافظة عليها بالمستوى العالي المنشود. 3: اختفاء المناطق الخضراء و الملاعب و أماكن الترويح بطريقة شبه كلية. حيث ستعاني المدينة من ظهور المباني السكنية المتكدسة في كل مكان وفي كل بقعة وفي كل قطعة. وهي مبان لا يتناسب حجمها و سعتها و ارتفاعاتها و عدد السكان فيها مع مساحات الأراضي المخصصة لها، و لا مع اتساع الشوارع. أما الأراضي المملوكة للأمانة، وبقايا القطع فبدلاً من أن يتم تحويلها إلى حدائق صغيرة و بسيطة أو ملاعب للأطفال، فقد جرى بيعها، وإلحاقها بالأراضي السكنية الخاصة. 4: هناك أزمة حادة تعاني منها وزارة التربية والتعليم في إيجاد مواقع للمدارس الجديدة بمساحات كافية. حيث لم تترك الأمانة في مخططات التنظيم مساحات كافية لكي تكون مدارس وملاعب للأطفال. إذ يحتاج كل 2000 من المواطنين مدرسة بسعة 500 طالب و بمساحة 4 دونم لكل مدرسة. و هذا يعني أن عمان في عام 2030 بحاجة إلى 3500 مدرسة، بينما المدارس المتاحة ستكون في حدود 2000 مدرسة ، تعاني من عدم الملائمة و سوء التوزيع. و يضطر التلاميذ إلى الذهاب إلى مدارس مكتظة وبعيدة عن سكنهم، مما يعقد من أزمة المرور ويرهق الطلبة في الكلفة والسفر لأوقات طويلة .5: لقد أصبحت أزمة المرور خانقة،مما ضاءل من فاعلية الحركة و اقتصادياتها، نتيجة لعدم إنشاء أنظمة نقل عام في وقت مبكر وعدم السير في مشاريع القطارات والمترو و الحافلات منذ عام 2010 و ما قبلها . و هذا بدوره أدى إلى ارتفاع أعداد السيارات إلى 1.5 مليون سيارة عام 2030 بكل تبعات ذلك من تلوث وكلفة على الإقتصاد الوطني واستهلاك الوقود واستنزاف الوقت . 6ً : تراجعت الثقافة والفنون و عانت من الإهمال والانحدار، نتيجة لعدم الاهتمام بإنشاء مراكز ثقافية وفنية ومكتبات في الأحياء، و لعدم إنشاء معالم ثقافية بارزة و إهمال إنشاء صناديق مالية لتمويلها. وهذا الضعف والانحدار لم يساعد على وقف الهبوط الثقافي وانتشار الجريمة والمخدرات وخاصة في الأحياء الفقيرة والمكتظة . 7: تعقدت أمور التنظيم نتيجة لعدم إحداث التغيرات المطلوبة في أوانها. فالمدينة بأحيائها المختلفة تخلو من المساحات العامة، والأماكن المفتوحة اللازمة لاستيعاب النشاطات الشعبية، و إعطاء المدينة «متنفسات» مناسبة بدلا من الاختناق داخل المباني. 8ً: فقدت المدينة طابعها المميز معماريا و جماليا لعدم اهتمام أمانة العاصمة بالمسألة الجمالية و التجميلية. سواء من حيث الألوان أو المساحات أو الطراز المعماري أو التماثيل والمنحوتات،و ذلك خلافا لما نلحظه في العواصم الأخرى. لقد سيطر الطابع التجاري المتسرع على عمان فأصبحت عمارات متراصفة بدون شخصية ولا رونق. 9ً: تآكلت الطرقات و الأرصفة نتيجة للتحفير المتواصل و لزراعتها بالأشجار غير الملائمة شكلا و حجما ،و لإشغالها من قبل المجاورين .10 : لم يعد هناك متسع للمارة لاستخدام الأرصفة، وكثرت الحوادث لان «الأمانة» لم تتنبه إلى ضرورة زيادة عرض الأرصفة منذ عشرين سنة، لكي تواكب شدة ازدحام المارة و السيارات. ولم تتخذ الأمانة أية إجراءات لإتاحتها للمشاة بعد إزالة كل ما عليها،بما في ذلك تنظيم زراعة الأشجار فيها من حيث النوع و الارتفاع والموقع.11 لم تعط الأمانة و لا مؤسسة رعاية الشباب أي اهتمام للمؤسسات و الأندية و المراكز الشبابية . وهذا ساعد على حرمان الشباب من فرص اللقاءات والنشاطات الرياضية والثقافية المفيدة التي تساعد على إزالة الحواجز النفسية و تخفيف التوترات الإجتماعية. و أصبحت المقاهي هي أماكن التجمع المفضلة .12 : لا زالت الإدارة اليومية لشؤون المواطنين لم تصل إلى مستوى الكفاءة والفاعلية و سرعة الإنجاز.و لا زالت الإدارة بعيدة عن التواصل والمشاركة والتعامل معهم بروح المودة والإلتزام بالقانون بطريقة ايجابية 13 : تراكمت متطلبات الصيانة للطرق و لشبكات المياه و تعقدت مسألة النفايات لأن الأمانة لم تضع الخطط لتصنيع النفايات وطرق التعامل معها ، الأمر الذي ترك آثارا سلبية على البيئة. 14 :تراجعت الأماكن السياحية بسبب عدم تطوير المعروف منها و عدم إدخال مرافق جديدة، و غياب الأدبيات السياحية التي يبدعها الكتاب و الفنانون. لقد كان من الممكن أن تكون المشكلات أقل و أن تكون عمان أكثر جمالا و جاذبية لو أن الأمانة اعتمدت مشورة الخبراء والفنانين و المثقفين و مشاركة المواطنين في تشكيل مدينتهم و تطوير أحيائهم و إعطائها الروح و الجاذبية والتميز، و إدخال التغييرات في الوقت المناسب. فالمدن الكبيرة لها متطلباتها المستقبلية التي إذا تم التعامل معها بالعلم والخبرة حافظت على توفير البيئة المدنية الآمنة و الصحية. والمستقبل هو للمدن الذكية،و عمان و بكل اعتزاز الأردنيين بها ،و محبتهم لها ،لا يزال أمامها الكثير.