في المقال الذي نشرته صحيفة الاندبندنت البريطانية للملك عبد الله الثاني الأربعاء 3/2/2016 قبل يوم واحد من انعقاد مؤتمر المانحين في لندن “ لدعم سوريا والمنطقة “ والذي شارك فيه أكثر من (70) وفداً من مختلف دول العالم و قادتهم، وفي مقدمتهم الأردن ، حمل المقال عدة رسائل بعضها موجه إلى العالم وهذا هو الهدف الرئيسي للرسالة والبعض الآخر موجه إلينا كأردنيين، حكومة وإدارة ومؤسسات وشعب، وعلينا أن نقرأها قراءة صحيحة. أولاً : إن المأساة السورية المتفاقمة ،و التي تمخضت حتى الآن عن أكثر من (250) ألف قتيل و ما يماثلهم من الأسرى و المفقودين، ومئات الآلاف من الجرحى و المعوقين و اليتامى و الأرامل، وملايين النازحين واللاجئين و المشردين اليائسين لا يتوقع أن تنتهي بسرعة. وهي مأساة تم التعامل معها سياسيا و إنسانيا بشكل خاطئ، حين أهملها المجتمع الدولي، و جعلها ساحة لصراعات طائفية و مساومات إقليمية، و لحرب المصالح بين القوى الدولية .ثانيا: لقد توجه ملايين اللاجئين إلى الدول المجاورة، وأولها الأردن، هربا من الدمار و بحثا عن النجاة، و بضغوط من النظام السوري ليتخلص منهم دون أية تبعات قانونية أو إنسانية، فيستقبلهم الأردن المحدود الإمكانات والموارد ،بكل المسؤولية الوطنية والعروبية والإنسانية و الأخلاقية،و ليترتب على أعدادهم الضخمة ضغوطً ديموغرافية واجتماعية وأمنية واقتصادية و مواردية غير مسبوقة .ثالثا : أن على العالم ، و علينا في الأردن أيضاً أن نضع البرامج الطويلة المدى لمواجهة هذه الحالة المعقدة ، والتي يتوقع أن تمتد ربما لأكثر من (17) سنة بالمتوسط و تتحول من حالة مؤقتة إلى وضع دائم. و علينا تفهم تأثيراتها المستقبلية على القطاعات المختلفة من مياه وطاقة وزراعة وتعليم و صحة و ثقافة و أمن و سياسة و حقوق إنسان وبطالة و غذاء و إسكان و أسعار و غير ذلك الكثير. الأمر الذي يستدعي “تشكيل مجموعات من الخبراء لإجراء الدراسات المعمقة و اقتراح الإجراءات والحلول اللازمة”، حتى لا تكون قرارات المؤسسات الرسمية ردات فعل، أو ارتجالية أو تأجيلية رابعا: و كما قال الملك بحق، فإن “إنقاذ المستقبل المشترك يتطلب نموذج عمل جديد بين دول العالم” ويتطلب أيضا ً نموذج عمل جديد على المستوى الوطني والعربي. إذ لم يعد التعامل مع الموضوع على أساس أنه حالة طارئة قصيرة الأمد مجديا. بل يجب إدخاله في إطار خطة اقتصادية اجتماعية مستدامة، وهنا نقول وطنياً وعربياً ودولياً. الأمر الذي يتطلب فريقا سياسيا قانونينا متفرغا لهذه المسألة.خامسا: إن استدامة التنمية يتطلب التزامات دولية دائمة. وهنا علينا أن ننظر في الآليات والضمانات التي من شأنها إلزام الدول المانحة بتنفيذ التزاماتها سنة بعد أخرى حتى تصل الخطة مداها. و علينا في نفس الوقت ان نضع الخطط لأنفسنا ونلتزم بتنفيذها من جهة أخرى ، مع الإفتراض و التيقظ بأن المجتمع الدولي تحكم التزاماته و مواقفه مصالح كل دولة بعينها، و هذه عرضة للتبديل والتغيير في أي وقت .سادسا: إن “الأسلوب الجديد” يتطلب منا كأردن تفكيرا جديدا بأن ننظر إلى اللاجئين ليس فقط كمشكلة، و هم كذلك، ولكن كفرصة . بمعنى إمكانية مساهمتهم في تطوير البنية الاقتصادية، وإنشاء المشاريع الجديدة، وإعمار الأراضي لغايات الزراعة.إن انخراط اللاجئين السوريين في هذه المشاريع هو الذي يقوم عليه التجديد. سابعاً : إن المجتمع الدولي مطالب بتوفير الدعم الفوري للبنية التحتية في الأردن، وينبغي أن لا يقتصر هذا الدعم على مساعدات محدودة،أو قروض ميسرة لصيانة الطرق وشبكات الكهرباء والماء، فذلك لا يجدي على المدى البعيد، ولا في جوهر المشكلة. وإنما المطلوب دعم بنيوي وهيكلي جديد . أي على الإدارة الأردنية أن تعد وثائق المشاريع وتطالب بإنشاء مرافق جديدة تساعد على مواجهة المستقبل ،وفي مقدمتها خطوط للنفط والغاز وخطوط للمياه والسكة الحديد يساهم في تكاليفها المجتمع الدولي، وتصل إلينا من الدول الشقيقة المجاورة، كجزء من دعم البنية التحتية التي تمكن الأردنيين واللاجئين السوريين وغيرهم من مواجهة متطلبات المعيشة و التنمية المستدامة للسنوات القادمة. ثامناً : إن توفير فرص العمل القائمة على التعليم والمهارات للأردنيين أولاً واللاجئين ثانياً، و كما أشار الملك، لا تتحقق إلا من خلال المشاريع الإنتاجية الجديدة. إن تعويض الإستيراد من خلال الصناعات الإحلالية و التخفف من قيود التجارة الحرة ومنظمة التجارة العالمية تبرره الظروف الإستثنائية التي يمر بها الأردن. وهذا يستدعي عملاً موسعاً من المؤسسات الرسمية و الأهلية على عدة جبهات . تاسعا: لا بد من تكليف فريق عمل متخصص ،لوضع أطلس زماني ومكاني للمشاريع المطلوب تنفيذها، ودليل تفصيلي لهذه المشاريع . ولا بد أن يكون التركيز على المشاريع الكثيفة الاستعمال للأيدي العاملة سواء كانت زراعية أو صناعية، ومشاريع تخفف من حجم الاستيراد وترفع من إمكانات التصدير. و أخيرا فإن الأردن الذي يحمل على أرضه 3 ملايين ضيف دائم من غير مواطنيه ،هو أمام مستقبل حافل، و أسلوب جديد بالتفكير و العمل، و علينا أن نعتمد لا على قوة الإستمرار والإدارة الوظيفية التقليدية، و إنما على العلم والعقل والخبرة و الإستشارة الوطنية المعمقة، فذلك الذي يقنع المجتمع الدولي بالإستجابة إلى متطلبات أسلوب العمل الجديد.