يوماً ما قبل 50 سنة أو أكثر، قالت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية انذاك: « فلسطين؟ لا يوجد شيء اسمه فلسطين أو فلسطينيون» وتوالت السنون ليثبت الفلسطينيون وجودهم السياسي والاجماعي والحضاري رغم ادعاءات جولدا مائير. وقبل عدة أشهر خرج سموتريتش الصهيوني المتطرف وقد وضع خريطة لإسرائيل ضم إليها كامل فلسطين والأردن. وردد ما قالته جولدا مائير وأضاف «أن الشعب الفلسطيني تم اختراعه قبل مائة عام فقط وانه هو، سموتريتش، فلسطيني من الجيل الثالث لجده الذي هاجر إلى فلسطين من قرية أوكرانية اسمها سموتريتش.. وقبل أيام وعلى منصة الأمم المتحدة في 23/9/2023 خرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ابن المهاجر البولندي ليلقي كلمته وحمل خريطة لما اسماه « الشرق الأوسط الجديد» لا تحمل اسم فلسطين أو الضفة الغربية أو غزة، وتضم فقط فلسطين التاريخية وهي بعرفه إسرائيل، والأردن والسعودية والبحرين والإمارات ومصر والسودان. ودعا الفلسطينيين لأن يتوقفوا عن المطالبة بدولة مستقلة وان يكتفوا بما تقدمه لهم إسرائيل من فرص، وان لا يعترضوا على اتفاقيات التطبيع مع دول عربية أخرى .واعتبر وجودهم تهديدا للدولة اليهودية..
ولا يستطيع المرء ان يسمع كلمات نتنياهو وأسلوبه الترويجي إلا ويتذكر الدعاية الألمانية النازية التي كانت تقوم على المبالغة وتكثيف الصور وتكرار المقولات ومخاطبة العالم، وإعادة تلك الأفكار والادعاءات التي كان يتبجح بها هتلر ويروجها بطريقته وزير الدعاية جوبلز. كان كل ذلك ستاراً كبيراً لإخفاء توحش النازي وعنصريته كما هو الحال مع القيادات الصهيونية. الدعاية ثم الدعاية حتى يصدقها الناس. وفي عين الوقت تقوم إسرائيل بشكل ممنهج بجرائم متعددة في مقدمتها أولا:الإمعان في قتل الفلسطينيين يوميا ثانيا: التوحش في تدمير المنازل والمدارس والبنية التحتية في القرى والبلدات الفلسطينية ثالثاً: مصادرة الأراضي من الفلسطينيين تحت شتى الذرائع رابعاً: التوسع الجنوني في الاستيطان خامساً: إطلاق المستوطنين من سن 14 إلى 21 ليحتلوا الأراضي الرعوية ويغتصبوها من أصحابها ويجبروهم على الرحيل سادسا: تغذية الانقسام بين الفصائل الفلسطينية من خلال قائمة الإرهاب وغيرها سابعاً: التدخل في المناهج الدراسية وغير ذلك الكثير من الإجراءات غير المعلنة.
واستغلالا لعاطفية العرب والمسلمين تجاه المسائل الدينية الإسلامية أو المسيحية امعنت إسرائيل في إشغال الفلسطينيين والعرب بل والمسلمين في حوادث يومية تظاهرية يقصد منها إشغال ومشاغلة الشارع العربي بل والدول العربية بتلك الحوادث من مثل حرق نسخة من القرآن الكريم من طرف شخص تستأجره إسرائيل في أي عاصمة أجنبية، أو إطلاق تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي تثير النعرات الطائفية بين المسلمين، إضافة إلى اقتحام المستوطنين للأقصى، ومنع المسيحيين من الوصول إلى الأماكن المقدسة، حتى يصبح الإحلال والاستعمار والتهويد امرا واقعا لا فكاك منه، وحتى يصبح التقسيم المكاني والزماني للأقصى وتهجير المقدسيين أمرا واقعا كما هو الحال في الحرم الإبراهيمي في الخليل، تمهيداً للحلقة التالية وربما تكون كنيسة القيامة أو أي مشروع يخلخل بناء المسجد الأقصى.
وفي نفس الوقت تتغول إسرائيل في تهويد الأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها القدس ونقل المستوطنين المهاجرين، مقابل رواتب، من شتى بقاع العالم الى القدس القديمة، والاستيلاء علىى منازل المقدسيين حتى انخفض عدد الفلسطينيين القاطنين في القدس القديمة بمقدار عشرة آلاف نسمة خلال السنوات القليلة الماضية.
كما وضعت النازية نفسها ممثلة بالمانيا فوق الجميع، فإن نتنياهو في خطابه للأمم المتحدة وضع اسرائيل فوق الجميُع. وحاول بعد أن طلب من الفلسطينيين عدم الاعتراض حاول أن يظهر التقدم التكنولوجي لإسرائيل واعتباره في مقدمة دول العالم وخاصة في الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات والأمن السبراني. وتهدف هذه الصورة للتميز والتفوق إلى إخفاء الممارسات الاحتلالية العنصرية ضد الفلسطينيين بكل ما تتضمنه من انتهاكات للقانون الدولي والإنساني تجسيدا للنظام العنصري الاستعماري الذي تمثله إسرائيل ويمعن فيه قادتها. وكما يقول أحد الباحثين إذا صحت ادعاءات اليهود حول ما فعله هتلر في اضطهادهم، فقد اكتسب الضحية طبائع وأساليب الجلاد. فإسرائيل حولت غزة إلى سجن كبير فيه 2 مليون فلسطيني كل أمورهم الحياتية مرهونة بالمعابر الإسرائيلية، والضفة الغربية جعلتها سجنا كبيرا. ان إسرائيل تعيد تمثيل الهولوكست ولكن ببطء: فهي تقتل كل يوم وتسجن كل يوم وتهدم البيوت كل يوم، وتعتقل النساء والأطفال كل يوم، وتغلق المعابر وتدمر البنية التحتية وتمنع الغذاء والدواء والماء عن الفلسطينيين كل يوم.انه هولوكوست بطيء ولا يختلف عن ما كانت تفعله المانيا النازية إلاّ بالمدى الزمني. أما الأنظمة العرببة فمشغولة كالعادة بالاستنكار والتنديد والادانة، بينما السرطان الاستيطاني الاستعماري الصهيوني يزحف ببطء في كل اتجاه بهدف أن يصل بعضهم يوما ما.
إن الأمل بالصمود الفلسطيني مهما كان الثمن، ويبرهن كل فلسطيني، والشباب في جنين ونابلس وطوباس بل في كل قرية وشارع، انهم مستعدون للمواجهة والدفاع عن وطنهم حتى الموت. والسؤال لماذا لا تتقدم الدول العربية رسميا إلى الأمم المتحدة بطلب حماية الشعب الفلسطيني وممتلكاته الحضارية والثقافية من بطش الاحتلال؟ لماذا لا تتقدم إلى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجرائم الإنسانية ومحكمة حقوق الإنسان بقضايا قانونية ضد الاحتلال الإسرائيلي.. لماذا لا يكون هناك اهتمام وتركيز في الأقطار العربية على تقديم الدعم المادي للفلسطينيين حتى ينفك الاقتصاد الفلسطيني من الحصار الإسرائيلي وحتى يتوقف التنسيق الأمني الذي يخدم الجانب الإسرائيلي فقط؟ لماذا لا تنهي الفصائل الفلسطينية انقساماتها؟ حتى التقدم العلمي والتكنولوجي، ما الذي يحول دون أن تحقق بعض الدول العربية إنجازات في التكنولوجيا المعاصرة وتظهر للعالم أن المنطقة العربية فيها من التقدم أكثر مما تدعيه إسرائيل؟.ولماذا لا تباشر الدول العربية المتجاورة بناء شبكة سكة حديد بدلا من أن تنتظر نتنياهو ليفعل ذلك؟.ان السكوت العربي والانضواء السريع لما يريده الآخر لا يبني للمنطقة أي مستقبل.