حرب الإبادة.. وغياب الصحوة

رغم كل ما يقال في الإعلام عن وقف الحرب على غزة، والتصريحات الكلامية التي تنطلق من آن لآخر من المسؤولين الأميركيين وبدرجة أقل الأوروبيين فإن ما يجري في غزة، وبعد أن تجاوز عدد الشهداء 40 ألفا وبمعدل 130 شهيدا و 350 جريحا يوميا، وبصريح العبارة هي” حرب إبادة جماعية وتجويع وتهجير ممنهجة ومقصودة لذاتها بموافقة أميركية أوروبية.” وليس هناك اهتمام فعلي بموضوع الرهائن ولا حتى بالتعامل مع المقاومة الفلسطينية، لأن اليمين الإسرائيلي المهيمن على كل تفاصيل القرار في إسرائيل راح يركز على إبادة الشعب الفلسطيني في غزة وتهجير ما يتبقى، لتتبع الضفة الغربية ذلك، كحل وحيد لإشكالية يهودية الدولة ورفض قيام الدولة الفلسطينية في فلسطين. هذه الصورة الوحشية البشعة هي خلاصة الموقف بعد 310 أيام من تدمير كل شيء في القطاع. وتنطلق الوفود للتفاوض مرة في القاهرة وأخرى في روما وثالثة في قطر ورابعة في واشنطن وخامسة في أي مكان، والعدو الإسرائيلي لا يعطي مفاوضيه أي صلاحية، وإنما يتنقلون من مكان لآخر بهدف التمويه السياسي. إن الإسرائيلي يعرف ماذا يريد ببساطة: “استمرار حرب الإبادة والتهجير” في ظل غياب عربي مريب، باستثناء الأردن الذي يقدم الإغاثة الغذائية والدوائية والإنسانية والدعم السياسي في كل منبر ومناسبة. كل هذا والسكوت الدولي عن الفعل والإجراء، رغم كل الأوصاف الاستنكارية التي قد تخرج من هذه الدولة أو تلك. والسؤال متى يصحو الجانب العربي من غفوته ويمارس السياسة من خلال الفعل والضغط والوقوف في وجه الهمجية الإسرائيلية؟ ومتى يدرك العرب أن إسرائيل خطر عليهم، وهي حلقة من حلقات الاستعمار التقليدي حيث إبادة السكان الأصليين مسألة اعتيادية ومألوفة وقد مارسها الإنجليز والفرنسيون والألمان وغيرهم في القارة الأميركية وفي استراليا وأعادها الأميركيون فيما بعد في فيتنام والعراق وأفغانستان. إن التوسع للمستعمر ليس له حدود، وإنما يقتنص الأرض قطعة قطعة أو بلدا بلدا. أما الأماكن المقدسة، والقدس والأقصى أولها، فهم يسعون إلى تهويدها وتدمير معالمها العربية. وفي الولايات المتحدة الأميركية تتسابق الأطراف المتنافسة على التقرب من إسرائيل بشتى الوسائل والطرق، باعتبار إسرائيل المدخل الرئيس لحشد الأصوات والأموال للانتخابات. لم تكتف الإدارة الأميركية بما قدمت لحكومة نتنياهو بل للكيان الصهيوني خلال 310 أيام الماضية من أسلحة ومعدات وقذائف ومستشارين وجنود مرتزقة وأموال وتعطيل لقرارات المنظمات والمحاكم الدولية، وتمويه إعلامي للحقائق، فأعلنت قبل أيام وبكل عنجهية عن تخصيص 20 مليار دولار لتصدير أسلحة ومعدات لإسرائيل لتقاتل به قطاع غزة والضفة الغربية. اما الغطاء الدبلوماسي الذي تتستر به الولايات المتحدة الأميركية فهو مجرد إنطلاق المفاوضات بغض النظر عن نتائجها وضوابطها ومرجعياتها والتي لا تعنيها على الإطلاق. وبغض النظر عن المراوغة والمخادعة الإسرائيلية وشراء الوقت بل سرقة الوقت لتحقيق أكبر مقدار من البرنامج العنصري ضد الفلسطينيين. فكما قال المهاجر اليهودي البولندي سموتريتش “ان موت 2 مليون فلسطيني بالحرب والتجويع هو عمل أخلاقي وإنساني”. وفي كل مرة يتم فيها لقاء للتفاوض على وقف الحرب يخرج نتنياهو ممثلا لجوهر العقلية الصهيونية ليعلن مراوغا ومخادعا عن مطالب جديدة. فاحتل معبر رفح وممر فيلادلفيا وهما تحت السيطرة المصرية بموجب اتفاقيات السلام، وأعلن أن بقاءه في معبر رفح وممر فيلادلفيا شرط مسبق لأي اتفاق.
وبين الفينة والأخرى يقوم الكيان الإسرائيلي بعملية خارج الحدود سواء كانت باغتيال شخصيات فلسطينية مقاومة أو لبنانية أو إيرانية أو سورية أو بانتهاك سيادة بلد من الدول المجاورة، والهدف منها ابعاد الأنظار عن ما يجرى في القطاع والضفة الغربية من تدمير وإبادة جماعية وإشغال الرأي العام باحتمالات رد هذه الدولة أو تلك واستعمال “بعبع توسيع دائرة الحرب” حتى تسرع حاملات الطائرات الأميركية والبريطانية للاتجاه نحو الكيان لحمايته. مع العلم أن الكيان الصهيوني بالنزعة الفاشستية التي تسيطر عليه لا يريد حربا اقليمية وانما يريد إنهاء المسألة الفلسطينية لصالحه ووفق حساباته، وكل ما عدا ذلك ضوضاء بهدف الاشغال وتشتيت الأنظار.
ماذا يمكن للكيان الصهيوني أن يفعل أكثر حتى يصحو العالم العربي أولا من غفوته المريبة والمثيرة للشكوك؟ وقد أضحت خمس دول عربية في مرمى العدو الإسرائيلي؟ لماذا يريد الإسرائيليون السيطرة على معبر رفح وممر فيلادلفيا؟ الخطة الإسرائيلية أن يوغل العدوان في تدمير كل مرافق الحياة في القطاع ثم في يوم ما، بعد أن يصل الناس إلى نقطة الانفجار” يفتح معبر رفح وممر فيلادلفيا للتهجير إلى سيناء”. وهنا تختلط العوامل السياسية بالإنسانية بالإغاثية وتضيع المسؤولية. ولكن حسابات الإسرائيلي لن تتحقق أمام صمود المقاومة وإصرار الشعب الفلسطيني على هزيمة المستعمر المحتل.
وأخيراً ماذا تنتظر السلطة الفلسطينية؟ وماذا تنتظر الجامعة العربية؟ وأين وثيقة المصالحة في بكين؟ وأين مسؤولية الدول العربية؟ ومسؤولية منظمات المجتمع المدني العربية..؟ الأغلبية غائبة باستثناء المقاومة وما تقدم من تضحيات، وباستثناء الشعب الفلسطيني وما يدفع من ثمن مقابل صموده التاريخي المشرف، والذي سينتصر يوما ما على كل المحاولات الاستعمارية الصهيونية البائسة.