في خبر لوكالة رويترز تم نشره في 28/2/2025 أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي «أبلغت الإدارة الأميركية في واشنطن قلقها من تغير الأوضاع في سورية، ومن احتمال استعادة سورية لقوتها مما يشكل خطراً على الأمن الإستراتيجي الإسرائيلي. ولهذا فإن إسرائيل تدعو الإدارة الأميركية للاحتفاظ بقاعديتها العسكريتين في سورية». وقبل ذلك بخمس سنوات وفي آب 2020 جرى تدمير ميناء بيروت من خلال شحنة من المواد المتفجرة تمت مصادرتها وتخزينها في الميناء لعدة سنوات إلى أن وقع الانفجار، والذي ترجح بعض المصادر أن عملاء لإسرائيل وراء ذلك التفجير خاصة وأن القضاء اللبناني لم يعط حكما قاطعا. وفي العام 2003 وكان ايريل شارون رئيساً لوزراء حكومة الاحتلال، شدد من الضغط على الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن بضرورة مهاجمة العراق، وتحطيم قوتها العسكرية، باعتبارها تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل. فاخترع البنتاغون والمخابرات الأميركية آنذاك قصة أسلحة الدمار الشامل كتبرير للغزو الأميركي والحلفاء للعراق، وعاد جون باول وزير الخارجية الأميركي ليعترف بعد سنوات بأن القصة كانت مفبركة وغير صحيحة.
واليوم، فإن القوات الإسرائيلية تضرب غزة رغم الهدنة، وتهاجم الضفة الغربية بكل وحشية تدمر البنية التحتية وتحرق المساجد، وتحتل الأراضي اللبنانية، إضافة إلى احتلالها أراض سورية ابتداء من جبل الشيخ جنوبا وحتى محافظة درعا. هذا إضافة إلى احتلالها ممر فيلادلفيا في قطاع غزة واغلاق جميع المعابر وتقطيع أوصال الضفة الغربية والتقسيم الزماني للمسجد الأقصى والسيطرة على الحرم الإبراهيمي في الخليل وتدمير المخيمات في كل مكان.
والسؤال هنا: لماذا كل هذه الاعتداءات التي لم تتوقف قبل طوفان الأقصى وبعده، بل لم تتوقف منذ عام 1948 حتى اليوم. كل هذا رغم معاهدات السلام مع مصر عام 1979، ومع الأردن عام 1994، ومع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1994، ورغم إعلان القمة العربية في بيروت عام 2002 عن السلام كخيار إستراتيجي للجانب العربي واستعداد الدول العربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل إذا حصل الفلسطينيون على حقوقهم. وهو ما تكرر في قمة القاهرة التي خرج بيانها قبل أيام بنغمة خافتة، بعيداً عن التحدي والاستعداد للمواجهة، بل وضع الآمال على الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإقناع إسرائيل بما يتمناه العرب.
وهنا يتساءل المواطن العربي في كل مكان. وماذا لو رفضت إسرائيل كل ذلك؟ وماذا إذا استمرت في اعتداءاتها؟ وهو ما وقع فعلاً. إذ أعلنت إسرائيل رفضها لما جاء في بيان القمة، بل رفعت من حدة العدوان على فلسطين وسورية ولبنان. وصار التدمير والتهجير يمثلان حجر الزاوية في البرنامج اليومي الإسرائيلي.
لماذا لا تريد إسرائيل السلام؟ لماذا ترفض السلام قبل مجيء حماس وبعد مجيئها؟ وقبل 7 أكتوبر وبعده؟ لماذا تعتبر كل قوة عربية خطرا على أمنها الإستراتيجيي؟ وتهرع الى الولايات المتحدة تطلب العون على تدمير هذه القوة؟ ألا تحتاج الأقطار العربية للتفكير العميق في هذا الموضوع؟ فلا أحد يدري متى ترى إسرائيل هذه الدولة أو تلك خطرا على أمنها الإستراتيجي.
قد تكون النقاط التالية مفتاحاً لفهم العقل الإسرائيلي ومسار المستقبل فيه أولاً: إن إسرائيل تحاول أن تعيد صناعة النموذج الأميركي بالسيطرة على أكبر مساحة ممكنة والتخلص من سكانها (الأصليين) بأي وسيلة ممكنة، ابتداء من الخداع وانتهاء بالإبادة الجماعية. وهذا راسخ في عقل المؤسسات الصهيونية والدولة العميقة في إسرائيل.
ثانياً: إن إسرائيل تحقق المصلحة الاستعمارية التقليدية لأميركا ودول أوروبا الحليفة لها من خلال المساعدة على السيطرة على المنطقة العربية والتحكم في شؤونها. وهي دول تنظر معظمها إلى الولايات المتحدة كمصدر للدعم والمساندة والحماية وغير ذلك. وهذا يجعل الضعف العربي وتشرذم الدول العربية مصلحة مشتركة بين إسرائيل وأميركا وحلفائها.
ثالثاً: إن إسرائيل تدرك بعمق أن الجماهير العربية في غالبيتها ترفض الوجود الإسرائيلي بصفته العدوانية التوسعية، وإن إسرائيل فشلت في إقناع الإنسان العربي أنها مستعدة للعيش بسلام مع جيرانها، وأن ما يجري من ترتيبات هو بين الحكومات وإسرائيل.
ومن هنا فإن المستقبل يحمل أخطار المواجهة مهما طال الزمن. وهي لذلك تسعى ليس لإضعاف الأنظمة بقدر ما تسعى إلى تفكيك التماسك المجتمعي القومي والوطني.
رابعاً: ومن أجل تجذير الضعف في المجتمعات العربية تلجأ إسرائيل الى دعم وتمويل وترويج بل واختلاق أي اختلافات طائفية أو مذهبية أو جهوية أو جماعات متطرفة حتى تبقى المجتمعات العربية في حال صراعات مستمرة واستنزاف ذاتي دائم. فلا تقوى ولا تنمو ولا تتقدم. خامساً: إن المفهوم العربي لإستراتيجية السلام كان وربما ما يزال مفهوما شكلياً. فالسلام لا يكون من طرف واحد، بل يتطلب شريكا صادقاً في السلام وهو ما ليس لدى إسرائيل. والسلام يتطلب القوة الرادعة الجاهزة للفعل حتى يصبح خياراً حقيقياً للطرف الآخر. لماذا تجنح إسرائيل إلى السلام إذا كان بإمكانها فرض ما تريد بالقوة وبالقوة الصهيوأميركية سادساً: إن عبارات الرفض والإدانة والاستنكار إذا لم تكن مصحوبة بخطة عمل مضادة في حالة الرفض من إسرائيل، تصبح عبارات إعلامية ودبلوماسية في الهواء.
سابعاً: إن دعوة مجلس الأمن لنشر قوات دولية لحفظ السلام في فلسطين المحتلة لا تعني شيئاً في إطار الفيتو الأميركي الذي تم استعماله لصالح إسرائيل أكثر من 48 مرة.
وأخيراً، فإن دول المنطقة العربية في خطر حقيقي بعيد المدى نتيجة للمشروع الاستعماري الإسرائيلي المدعوم من الأميركي، والذي يقوم على اغتصاب ما تصل إليه الأيادي الإسرائيلية، والحفاظ على المنطقة في حالة ضعف وتفكك. فهل يبدأ العرب وهل تبدأ الفصائل الفلسطينية والسلطة التغيير قبل فوات الأوان؟ تلك هي المسألة.