لعل واحدة من كبريات الصعوبات التي تعاني منها العائلة الأردنية هي غلاء المعيشة وصعوبة مواجهة النفقات المتزايدة وخاصة في عمان التي أصبحت أغلى عاصمة في الشرق الأوسط. وهنا يشكل التعليم الجامعي عبئاً تحسب له الأسرة ألف حساب. ذلك أن أكثر من 70% من الأسر الأردنية يقل دخل العائلة فيها عن 500 دينار شهريا، الأمر الذي يضطر الآباء والأمهات إلى بيع ما يمتلكون من أرض أو حلي لتعليم أبنائهم وبناتهم. إن عدد الطلبة الذين يدرسون في الجامعات يقترب من (300) ألف طالب داخل وخارج المملكة وبالتالي فأكثر من (200) ألف أسرة تجد صعوبة ومشقة في الإنفاق على تعليم الأبناء. وهكذا فإن الدولة في مأزق ثلاثي يتناول العائلة والجامعة والحكومة في نفس الوقت، المجتمع في مأزق والتعليم أيضا في مأزق. فالجامعات لا تستطيع زيادة الرسوم لتحسين الخدمات التعليمية وتطوير المرافق بسبب الضغط الذي تسببه الزيادة على الأسرة. وبالمقابل فإن استمرار الأوضاع على حالها سيؤدي مع تزايد الأعداد إلى تراجع التعليم. ومن الجهة الثالثة، فإن الحكومة والتي تعاني من العجز المالي المزمن لا تستطيع أن تنفق على التعليم العالي إلا في أضيق الحدود.
إن الأداة الصحيحة والفاعلة لكسر هذا الحلقة المفرغة هو إنشاء “بنك التعليم” والذي يتولى إقراض الطلبة لدفع الرسوم الجامعية وفق شروط ميسرة أهمها أن السداد لا يستحق إلا بعد التحاق الشاب أو الشابة بالعمل. وبنوك التعليم للطلبة معمول به في كثير من دول العالم وأولها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية. ذلك أن الوالدين هناك غير مطالبين بالإنفاق على أبنائهم وبناتهم بعد سن ال (18) إلا إذا كانوا في يسر من أمرهم. وعلى الطالب أن يرتب أموره بنفسه. ومن هنا فإن من شأن بنك التعليم أن يحل هذه المشكلة الاجتماعية الاقتصادية إلى حد كبير بيسر وسهولة. ان المنافع المترتبة على إنشاء بنك التعليم تتمثل في الآتي: اولا إعفاء الأسر الإردنية وخاصة المحدودة الدخل و هي الغالبية من عبء مالي و نفسي بالغ الثقل.و ثانيا تأهيل الشباب للاعتماد على النفس في وقت مبكر الأمر الذي يلعب دورا بالغا في بناء الشخصية المستقلة كبديل للشخصية التواكلية المعتمدة على الآخرين. ثالثا إعطاء الشباب فرصا أفضل لحرية الإختيار و تقرير توجهاتهم المستقبلية بأنفسهم بعيدا عن الضغوط العائلية والإجتماعية. رابعا الحفاظ على مدخرات و أملاك الأسرة كجزء من الثروة الوطنية القابلة للإستثمار في مشاريع جديدة.
ولنا أن نتخيل مدى الارتياح الاجتماعي جراء مثل هذا الترتيب، حين تشعر العائلة بأنها غير مضطرة للاستدانة أو لبيع ما لديها من موجودات متواضعة سواء كانت أرضا أو حلياً وذهباً أو استنفاذ ما لديها من مدخرات هي بأمس الحاجة إليها.
أما المسألة الثانية فهي اتفاقيات التجارة الحرة، فعلى الحكومة أن تتريث في اتفاقيات التجارة الحرة، و ان لا تقدم “الانجاز الدبلوماسي” لان يكون على “حساب التقدم الاقتصادي”. ذلك أن فلسفة التجارة الحرة تقوم في جوهرها على نوع من التكافؤ بين الطرفين، أو على وجود ميزة نسبية في قطاعات معينة لدى طرف ،يقابلها ميزة نسبية لدى الطرف المقابل. ومن هنا فإن الدول وقبل أن تسارع إلى توقيع مثل هذه الاتفاقيات تقوم بالخطوات الرئيسية التالية: أولا: دراسة القطاعات الإنتاجية لديها من حيث إمكاناتها ونوعيتها ،ومستوى الجودة فيها، وقدرتها التنافسية ،ومدى الفرص لدخول السوق المناظر لها. ثانياً: دراسة القطاعات الإنتاجية لدى الدولة التي سيتم التوقيع الاتفاقية محلها للتعرف على قدرتها التنافسية المقابلة وفيما إذا كانت ستؤثر على الإنتاج الوطني حين تكون هناك فروقات كبيرة لصالح الطرف الأخر. ثالثاً: تضع الدولة برنامجا متماسكا بالتعاون مع الغرف الصناعية والاتحادات النوعية والمؤسسات المالية لحل مشكلات القطاعات الإنتاجية خلال فترة زمنية محددة ،وإعطائها الدعم اللازم، حتى تكون في المستوى الذي يمكنها من المنافسة في حدود مقبولة، ومن دخول الأسواق التي تفتحها اتفاقية التجارة الحرة. رابعاً: حين تكون الفروق في القدرة الإنتاجية كبيرة بين الدولتين ،يتم الدخول في الاتفاقية بشكل تدريجي وعلى مدى ربما (7) أو (10) أو (15) سنة و وفق برنامج سلعي واضح، تقوم الدولة بتنفيذ برامج الموائمة اللازمة خلال هذه الفترة. خامساً: تتأكد الدولة أن القيمة المضافة في السلع أو الخدمات الوطنية التي سيتم تصديرها للطرف الأخر كافية ولا تقل عن 40% حتى لا تتحول التجارة الحرة إلى تجارة قريبة من إعادة التصدير،وليس تصدير المنتجات الوطنية الحقيقية. إذ انه بدون القيمة المضافة العالية فإن فرص العمل المتولدة ستكون ضئيلة ،وإفادة الاقتصاد الوطني ستكون محدودة. ولعل الأمثلة الصارخة على عدم التكافؤ هي اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا ومع سنغافورة ومع دول الاتحاد الأوروبي. إن اتفاقيات التجارة الحرة هي ليس مجرد فتح أبواب، إنها برنامج اقتصادي مشترك بين الدولة والقطاع الخاص يعمل فيها الطرفان على زيادة التصدير ورفع حجم ونوعية الإنتاج وتوليد فرص عمل جديدة. فهل خططنا للمستقبل حتى تصبح التجارة الحرة مكسباً اقتصادياً اجتماعياً؟ تلك هي المسألة.