تبين الأرقام أن معدلات النمو الاقتصادي لدينا ( وفي المنطقة العربية عموماً) على مدى السنوات العشر الماضية كانت تتأرجح بين 2% و 3% وهي معدلات متدنية تماماً وأقل من نسبة التزايد السكاني الأمر الذي انعكس على تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي و أدخل المواطن في ضائقة معيشية تتفاقم سنة بعد سنة علاوة على دخول المجتمع في دوامة الفقر والبطالة. كل ذلك في إطار حالة الفوضى والاضطراب والاحتراب والانقسام التي تسود المنطقة والتي لا يدري أحد متى تنتهي .
والسؤال الملح : هل يمكن الاستمرار على هذا الوضع والقناعة بأن ليس بالإمكان أحسن مما كان وعلينا أن نقبل بتضاؤل الدخول وزيادة البطالة وارتفاع المديونية وتبعات ذلك ؟ ألا توجد فرص يمكن أن تغير هذه المعدلات وترتفع بها ؟ بالتأكيد هناك الكثير من الحلول والبدائل والمجالات التي يمكن الإفادة منها بل والفرص الضائعة التي لا تتطلب استثمارات ضخمة جديدة ومساعدات دولية وقروض مرهقة . وعلى ” الإدارة ” إذا كانت مترددة في صنع مشاريع جديدة أن تستثمر الفرص الضائعة والمتعددة والتي من شأنها أن ترفع معدل نمو الاقتصاد الوطني .
أولاً : المصانع التي أغلقت أو على وشك ذلك والشركات المتعثرة وهي بالآلاف. الاستثمارات الرأسمالية الأساسية لهذه المرافق موجودة وقائمة ولا تتطلب إلا معالجات محدودة تماماً. ومن شأن هذه المرافق إذا استعادت عافيتها أن تساهم بزيادة الناتج المحلي بنسبة لا تقل عن 3% سنوياً وأن تنتج فرص عمل نحن بأمس الحاجة إليها .
ثانياً: الجامعات الموجودة في كل محافظة . وهي مرافق استثمر الشعب فيها مئات الملايين حتى تصل إلى ما وصلت إليه. ومع هذا فقد اقتصر دور هذه الجامعات على العملية التعليمية، ولم تستثمر أبداً كبيت خبرة للمساهمة في تنمية المحافظات . ولم تقدم منتجات علمية وتكنولوجية لتطوير الصناعات المحلية وتحسين الزراعة والإرتقاء بالسياحة وغيرها ..
ثالثاً : المشكلات الكبرى . فهناك الكثير من المشكلات المعقدة في الاقتصاد الوطني مثل الطاقة والمياه والتصنيع والتصحر والتغيرات المناخية والنقل والإنتاج والإنتاجية وغيرها الكثير. والدولة تغمض عينيها عن وجود آلاف الأساتذة الجامعيين والمؤهلين لدراسة هذه المشكلات والبحث فيها وتقديم بدائل وحلول بدلا من ترحيل المشكلات سنة بعد سنة ، أو الاعتماد الكامل على بيوت الخبرة والمساعدات الأجنبية التي تقدم خدمات محدودة و مجتزأة في كثير من الأحيان. أو الاعتماد على الموظف الاعتيادي الذي لا تتوفر لديه القاعدة العلمية الكافية أو الوقت أو الحافز لابتكار حلول غير تقليدية وإذا تذكرنا أن الطاقة والمياه والنقل والسياحة والصناعة تشكل ما يزيد عن 25% من الناتج المحلي الإجمالي فإن تحسين هذه المرافق بنسبة 10% تعني زيادة الناتج المحلي الإجمالي بـ 2.5% .
رابعا : البحث والتطوير التكنولوجي والإبداع. إذ ليس هناك من وسيلة لتقدم الاقتصادات الصغيرة التي لا تتوفر لديها ثروات طبيعية ضخمة مرتفعة الثمن إلا تطوير اقتصادها وزيادة حجمه والقيمة المضافة فيه من خلال البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والإبداع . هكذا تفعل سويسرا وسنغافورة
وهكذا الحال في كوريا وايرلندا وغيرها الكثير .
فهل يعقل أن يكون لدينا 10 آلاف أستاذ جامعي تجاوزت تكاليف تأهيلهم 2 مليار دينار ولا يكون لهم أو للمتميزين
منهم دور فعال في البحث والتطوير والإبداع في قطاعات إنتاجية محددة؟ وهل يعقل أن ترضى الدولة بأن تقتصر أبحاثهم على أوراق نظرية للنشر و للترقية دون مساهمة فعالة في رفع القيمة المضافة للإنتاج الوطني ابتداء من صناعة الدواء ومروراً بالمنتجات الزراعية وانتهاء بالصناعات
التقليدية .
خامساً : وضع حد للفساد . يقدر الباحثون أن الفساد في الدول النامية يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي بما يقارب 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي إذا وضعت الدولة خطة محكمة لتخفيض حجم الفساد إلى النصف فإن ذلك يعني 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 450 مليون
دينار سنوياً . إضافة إلى أن تخفيض الفساد يساعد على تحسين استثمار رأس المال البشري الذي هو أساس النمو في الاقتصادات الحديثة.
هل يمكن أن ينظر إلى الموضوع نظرة جادة تساعد على نمو الاقتصاد بنسب لا تقل عن 6% سنويا؟ هذا يتطلب
أولا: أن تصحح الدولة من نظرتها التقليدية للجامعة “انها مجرد مكان لتعليم الطلبة وتخرجهم وإجراء الأبحاث الأكاديمية الخاصة بالهيئة التدريسية” وإنما هي بيوت خبرة ومرافق استثمارية وكنز لرأس المال البشري يجب استثماره بأعلى كفاءة.
وثانياً : أن تنظر إلى رأس المال البشري الذي تتمتع به الأردن وإلى الفساد نظرة اقتصادية سليمة. فالفساد الذي يتنامى بشكله المالي والإداري و التوظيفي والتنفيعي والتوسيطي يشكل ثقباً واسعاً تتسرب منه الجهود الاقتصادية . ولا بد من معالجته، فذلك أن أحد الضمانات الرئيسية لأداء مستقبلي أفضل، ومن شأنه أن يساعد على الخروج من عنق الزجاجة .وهناك العديد من المفردات التي لها تأثيرات سلبية على الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يجعلها بمجملها تؤثر بما لا يقل عن 10% من هذا الناتج. و بعبارة أخرى أن مواجهة هذه الفرص الضائعة قد يرفع معدلات النمو إلى 6% أو أكثر.