المسار الاقتصادي.. ومحركات النمو

تشير أرقام المؤسسات الدولية إلى أن معدل النمو الاقتصادي للعام الحالي سيكون في حدود 2.4 %. وفي خطاب العرش لهذه الدورة البرلمانية، أكد جلالة الملك، بشكل خاص، على الجانب الاقتصادي وضرورة رفع معدلات النمو فيه، حتى يحقق الأردن نقلة اقتصادية حقيقية تحسن من ظروف معيشة المواطنين. وكان الاستثمار الأجنبي من المواضيع التي اهتم بها الملك عبد الله الثاني خلال الفترة السابقة، وأكد في لقائه الأخير مع مجموعة من المستثمرين على ضرورة تحفيز الاستثمار الأجنبي في البلاد، خاصة وأن المنطقة تمر بأزمة بالغة التعقيد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا يصعب معها التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور. فالحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية ولبنان على أشدها وكذلك الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على سورية وضرب العراق واليمن، بكل ما يعني ذلك من تعقيدات لوجيستية تؤثر مباشرة على حركة التجارة الدولية والإقليمية، وبالنسبة لنا تؤثر على حركة الاستيراد والتصدير.

ولعل السؤالين اللذين يحتاجان إلى إجابة واضحة على شكل برامج تتبناها الحكومة هما؛ الأول: “كيف يمكن رفع معدلات النمو الاقتصادي والخروج من دائرة 2.5 % التي مضى على الاقتصاد الوطني سنوات عدة وهو يتحرك حولها إلى مستويات جديدة تتجاوز معدلات النمو السكاني وتصل إلى معدل نمو 5 % أو أكثر؟”. والثاني: “كيف يمكن تحفيز وجذب الاستثمارات الأجنبية لتدخل المملكة في مجالات إنتاجية جديدة بالدرجة الأولى وليس مجال شراء الموجودات من عقار وشركات قائمة؟”.
 
 
 
Ad 
 
Unmute

وهنا من المفيد الإشارة إلى عدد من المسائل وعلى النحو الآتي:
أولا: أن الاستثمارات الوطنية على حجومها المختلفة هي المحرك الرئيسي للاقتصاد الوطني. وهذا يستدعي أن تضع الحكومة برنامجاً محدداً لهذه الغاية يبتعد عن العموميات، بل ويدخل في جوهر المسألة.
ثانياً: إن نشاط وحيوية الاستثمار الوطني في المجالات الإنتاجية الصناعية والزراعية والسياحية والاستخراجية والنقل وغيرها هو المحفز والجاذب الأول للاستثمارات الأجنبية.
ثالثاً: إن استقرار التشريعات التي يتعامل معها المستثمر الوطني والأجنبي، إضافة إلى الانتهاء من البيروقراطية (رغم الحديث عن الحكومة الإلكترونية)، ورفع الثقة بعدالة القضاء وناجزيته، تمثل كلها مجتمعة البيئة التي يبحث عنها المستثمر. وما تزال المؤشرات الدولية لنا في هذه الجوانب بحاجة إلى التجويد الحقيقي الناجز.
رابعاً: إن الاستثمارات الأجنبية تبحث عن المشاريع الكبرى التي هي بطبيعتها ليست كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة، وقد استمر معدل البطالة لدينا فوق 20 % لسنوات عدة. هذا في حين أن حركية الاقتصاد وفاعليته في النمو تحركهما المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويحركها انتشار المراكز الإنتاجية في المحافظات.
خامساً: إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة الوطنية هي البوابة الرئيسية لمواجهة البطالة؛ حيث يقدر توظيف هذه المشاريع بأكثر من 60 % من القوى العاملة على مستوى العالم، وتمثل عائداتها أكثر من 70 % من الناتج المحلي الإجمالي، وخاصة في الدول الناهضة.
سادساً: إن الاستثمارات الوطنية في المشاريع الصغيرة والمتوسطة والشراكة المجتمعية في المشاريع الكبرى هي الطريق لاستثمار وتشغيل المدخرات الخاصة للمواطن العادي، والطريق الأول لفتح المجال للنهوض بالبوادي والأرياف.
سابعاً: إن تطوير المحافظات يتطلب الاهتمام الجاد المبرمج بالجمعيات التعاونية وخاصة الاستثمارية منها. وقد أكد رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، خلال زيارته لمحافظة إربد، أهمية الجمعيات التعاونية ودورها الفاعل في التنمية.
سابعاً: إن الاستثمارت الوطنية في المشاريع الصغيرة والمتوسطة المنبثقة عن خطط وطنية هي الأساس في التنمية الاجتماعية، وفي استعادة الطبقة الوسطى حجمها ومكانتها بعد أن تقلصت خلال السنوات الماضية إلى أقل من 20 % من السكان بكل ما يعني ذلك من اتساع مساحة الفقر والبطالة. والطبقة الوسطى هي المحرك الرئيس لتطوير المستوى الحضاري للمجتمع بأسره.
ثامناً: إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة الوطنية من شأنها أن تحسن من اقتصاديات المشاريع الكبيرة سواء كانت استثماراتها أجنبية أو مشتركة أو غير ذلك، نظراً لما تقدمه من مستلزمات الإنتاج ومن تأهيل للقوى العاملة، ومن إبداعات وابتكارات.
تاسعاً: إن تطوير الزراعة الوطنية لتصبح أكثر استعمالاً للأساليب والمعدات التكنولوجية الحديثة وبما يتناسب مع متطلبات التغيرات المناخية هو الطريق لزيادة الإنتاجية. فمتوسط إنتاجية العامل الزراعي لدينا لا تتجاوز 20 ألف دينار سنوياً مقابل 50 ألف دينار للعامل الزراعي في الدول الصناعية، وبعض منها مثل هولندا، تصل الإنتاجية إلى 90 ألف دينار سنوياً لكل عامل.
عاشراً: إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بل والكبيرة، حين تعتمد على الاستثمارات الوطنية كليا أو جزئيا تكون أكثر قدرة ومرونة على امتصاص صدمات التقلبات السياسية في المنطقة، مما يعطيها ميزة إضافية.
حادي عشر: إن كلفتي الاستثمار والإنتاج حين تكونان مرتفعتين تشكلان عامل طرد للاستثمارين الوطني والأجنبي على حد سواء، وخاصة أن حولنا دول تنافسنا في هذا الشأن، وقد آن الأوان لوضع الحلول العملية لهاتين المعضلتين المزمنتين بعيدا عن العموميات التقليدية. 
وأخيراً، فإن رفع معدلات النمو الاقتصادي والاهتمام بالجمعيات التعاونية لتحفيز الادخار والاستثمار الوطني المجتمعي يتطلب من كل وزارة ومؤسسة أن تضع برنامجاً محدداً بالتعاون مع القطاع الخاص والبنوك والجامعات والخبراء والمحافظين في المحافظات لهذه الغاية، وألا تمر التوجيهات الملكية من دون برمجة حقيقية ملزمة لجميع الشركاء ومحددة بالمستهدفات وبالأرقام.