نشرت وكالة الانباء الاردنية (بترا) تقريراً حول التحديات المائية التي تواجه مشروع المحطة النووية المزمع اقامته بالتعاون مع روسيا، والذي تتولى شركة روس أتوم الروسية تصميم وبناء وتنفيذ وتشغيل الجزء الاكبر من المشروع ،بما فيها المياه والتفاصيل الاخرى. وقال التقرير «ان مهمة روس اتوم ستكون تطوير حلول هندسية عملية لضمان استمرار التعويض بإمدادات المياه لموقع محطات الطاقة النووية الاردنية، وان هذه الحلول موجودة على أرض الواقع ومجربة»..وهذه المرة الأولى التي نسمع فيها عن شركة متخصصة في بناء المحطات النووية، يناط بها مسؤولية تطوير حلول هندسية للمياه في منطقة خالية منها. وما هي هذه الحلول المجربة؟ انه كلام عام وتعميمي مبسّط لا يضيف شيئا، ولا يمكن القبول به علميا وعمليا. ففي أي مكان في الاردن تم تجربة هذه الحلول؟ ولماذا لا تكون هناك اجابات واضحة.. هل يتحدثون عن مياه جوفية؟ أم عن اعادة تدوير مياه الخربة السمراء؟ أم تجميع مياه الامطار؟ ام انشاء بحيرة اصطناعية؟ أم مد انبوب من مياه البحر؟ أم يتحدثون عن التبريد بالهواء للعنفات البخارية؟ أم ماذا؟ لا يجوز في موضوع بهذه الخطورة تتوقف عليه سلامة مجتمع ،ان يتم تناوله بهذا التبسيط، حتى لو كان الحديث للرأي العام. لأن المطلوب ،وبموجب تعليمات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، موافقة المجتمع المحلي عن اقتناع، وليس عن تعميم وتبسيط. وفي الاجابة على ماذا ستفعل الشركة في حالة الحادثة النووية قالت الشركة «في حالة الحادث النووي وهو مستبعد، فإن الموقع سيخزن كميات كافية من المياه لتوفير اغلاق آمن للمحطة طوال الفترة اللازمة لمعالجة الخلل»! اي كميات كافية يتحدثون عنها لمواجهة مفاعلات بهذه الضخامة؟ هل هي 1 مليون أو 10 ملايين أو 100 مليون أو 500 مليون مترا مكعبا؟ لا احد يدري .. في محطة فوكوشيما في اليابان، استمر ضخ مياه البحر غير المحدودة سنتين كاملتين، ولم ينته الموضوع بعد. أما أمن السكان والبيئة الذي تشير اليه روس اتوم فليس اكيدا ابدا حين تكون الحلول المقترحة للمياه بهذا الغموض والتبسيط. واذا لم تتوفر المياه الكافية،هل هي مسؤولية الحكومة الاردنية ؟ام مسؤولية الشركة؟ ام مسؤولية هيئة الطاقة النووية التي اختارت المكان والحجم والمقاول؟ ام هي مسؤولية شركة الطاقة النووية ،التي تكاد لا تقرر شيئا، وإنما تنفذ تعليمات هيئة الطاقة النووية؟ لا أحد يدري. وهل يدخل هذا في وثائق التأمين؟ وتشير شركة روس اتوم في التقرير الى نجاح تجربتها في المحطة النووية الايرانية محطة «بوشهر». ولا نفهم وجه المقارنة بين الحالتين :فمحطة بوشهر مقامة على شاطئ البحر (الخليج العربي) بينما المحطة الاردنية ستكون في عمق البادية وتبعد عن البحر 300 كم. ومحطة بوشهر فيها مفاعل 1000 ميغاواط ،وترتبط على شبكة ضخمة استطاعتها 74 الف ميغاواط، في حين ان المحطة الاردنية هي 1000 ميغاواط للمفاعل أيضاً، ولكنها، ويا للغرابة ،ستربط مع شبكة استطاعتها 6 آلاف ميغاواط فقط. لقد استغرق العمل في محطة بوشهر (19) سنة من عام 1994 حتى عام 2013 ،ونحن ما زلنا لم نبدأ بعد. فما هو وجه المقارنة سواء من حيث المياه او استطاعة الشبكة؟ فالمحطة الايرانية حتى الآن هي 1.5% فقط من استطاعة الشبكة هناك مقارنة مع المحطة الاردنية التي ستكون 40% من استطاعة الشبكة الأردنية ،وهو خطأ هندسي جسيم. ولا نفهم كيف توافق روس اتوم على هذا التناقض الهائل في الحجوم، وما هي مسؤوليتها الفنية والقانونية والأدبية والمالية ازاء هذه الخيارات الخاطئة ؟والتي لا تنسجم حتى مع ما تقوم به روس اتوم في بلدان أخرى؟ أما المياه اللازمة للتبريد ،فالبحر أمام بوشهر مفتوح ..ولكن الصحراء أمام محطتنا هي المفتوحة. ويبدو أن روس اتوم ليس لديها سوى مفاعلات كبيرة (1000) ميغاواط تبيعها للجميع: مصر، ايران، تركيا، الاردن رغم الفروق الهائلة في حجوم شبكات تلك الأقطار عن الشبكة الأردنية . ويشير التقرير الى ان استخدام المياه المعالجة من محطة الخربة السمراء التي تبعد 70 كم عن الموقع يمثل المرة الاولى التي تقوم بها روسيا باستخدام هذا الحل. ونحن نقول ليس من المشجع ابدا ان تكون التجربة الأولى في محطتنا نحن ،على الرغم من ان عشرات المحطات النووية التي بنتها روسيا كانت كلها على مصادر مائية من انهار وبحار وبحيرات. اما الاشارة الى المحطة النووية الوحيدة في العالم (محطة بالو فيردي في الولايات المتحدة)، فليس هناك وجه للمقارنة بين الامكانات المائية و التكنولوجية الامريكية للتزويد والطوارئ والاخلاء، وبين امكاناتنا في حالة الحادث النووي. إن مسألة المياه اللازمة للتبريد واللازمة في حالة الحوادث النووية لا زالت موضع شك كبير، وتعامل بعموميات غير واضحة وغير محددة، الأمر الذي يجعل قرار السير في المشروع بحاجة الى مراجعة جذرية، سواء من حيث اقتصاديات المشروع او توفير المياه او حجم المشروع او متطلبات البنية التحتية من بحيرات اصطناعية الى شبكة كهربائية الى طرق الى حماية وغير ذلك الكثير. ويصرح مدير شركة الكهرباء النووية الاردنية بأن الاردن سيكون لها 51.3% من أسهم الشركة المالكة للمحطة في حين ان الاردن سيساهم ماليا فقط بـ (1) مليار دولار من أصل (10) أو (14) مليار. كيف يمكن تفسير هذه المعادلة الغريبة: «شريك يدفع 10% أو أقل، ويملك 51% أو أكثر»؟؟ و يصرح المدير بأنه سيتم تكليف شركات عالمية واحدة لدراسة الجدوى الإقتصادية للمحطة، و أخرى لدراسة إمكانات الشبكة الكهربائية على الربط مع المحطة النووية بمفاعلين 1000 ميغا واط لكل منهما.و المواطن البسيط يتساءل:إذا كان حجم المفاعل ،و موقع المحطة ،و الربط مع الشبكة الكهربائية، و التبريد و التمويل كل ذلك قد تقرر مسبقا ، فما معنى هذه الدراسات؟ و ما قيمتها؟سوى «تبرير» و «تحليل» و «تسويغ» القرار المسبق.فالأعراف الهندسية تقضي بأن تأتي دراسات الجدوى الإقتصادية و الفنية أولا، و أن يتم تحديد حجم المفاعلات على ضوء الجدوى من بين بدائل، و أن تقرر الجدوى الفنية الحجوم التي يمكن للشبكة الكهربائية الوطنية أن تتعامل معها دون الإعتماد على الربط مع شبكات خارجية في منطقة بالغة الإضطراب. أن الخطأ في الحسابات وفي القرار وتبعاته، تتحمله الدولة الاردنية ،وليس شركة روس اتوم التي تبيع ما لديها من منتجات سواء لايران أو الاردن او مصر أو تركيا. ان مستقبل أمن الطاقة يتطلب مراجعة كاملة قبل وصول نقطة اللاعودة. و سؤال المواطن موجه للحكومة ،ولهيئة الطاقة النووية، ولشركة الطاقة النووية، وللجنة الاستشارية العليا للطاقة النووية التي لا تضم أي خبير أردني باستثناء رئيس هيئة الطاقة النووية، والتي اصدرت تقريراً فيه الكثير من التعميم الذي لا يجيب على الاسئلة الجوهرية المعلقة، السؤال: هل هناك مثال في العالم، يشبه حالة الاردن من حيث صغر حجم الإقتصاد الوطني،و ضخامة المحطة بالنسبة للشبكة ،وافتقار البلاد للمياه و محدوديتها في حالة الحوادث، والاعتماد على الآخرين في التمويل، والتكنولوجيا، ومنافسة الطاقة المتجددة للأسعار، و توفر البدائل، و عدم الإستقرار السياسي و الإقتصادي في المنطقة ؟.