الحرب على الضفة.. ومخططات الاحتلال

كان نتنياهو قد تفاخر في الأمم المتحدة قبل 3 سنوات بخريطة الشرق الأوسط الذي يريده. وفي تلك الخريطة ابتلع كامل فلسطين، ليأتي بعده وزير المالية سموتريتش ليعرض خريطته في باريس يظهر فيها إسرائيل تبتلع كامل فلسطين والأردن، ليأتي العنصري وزير الأمن بن غفير قبل أيام وبعد أن سلّح أكثر من 50 ألفا من المستوطنين والمرتزقة وأطلقهم في الضفة الغربية ليهاجموا الفلسطينيين، ليطالب بإقامة معبد يهودي في باحات الأقصى تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم، وقبل يومين يطالب كوهين كاتس وزير خارجية الاحتلال بإخلاء الضفة الغربية. اليوم وبعد أن امتدت الحرب الوحشية التدميرية الإسرائيلية على قطاع غزة لأكثر من 330 يوما، دون أي إجراء رادع عربي، أو تحرك دولي، كان من المتوقع أن ترفع هذه الحكومة المتطرفة من وتيرة هجومها على الضفة الغربية في محاولة لتنفيذ ما فعلته في غزة. إذ يعتقد اليمين الإسرائيلي الذي يسيطر على عقول جزء كبير من الاسرائيليين أنه قد حان الوقت لتنفيذ المرحلة الثالثة من المشروع الصهيوني وهي خريطة نتنياهو أي استكمال استعمار فلسطين وتهويدها على أوسع نطاق وبأسرع ما يمكن. وتتّبع إسرائيل في الضفة الغربية نفس الأسلوب الذي اتبعته في غزة وهو «التدمير الكامل المتعمّد للبنية التحتية بما فيها الشوارع وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات، بشكل لا يتمكن معه الناس من العودة إلى منازلهم أو أراضيهم أو أعمالهم، وتوجيه إنذارات الإخلاء في المراكز السكانية الفلسطينية. وبهذا تبدأ عملية التهجير لتشتد تدريجياً حتى يضطر الفلسطينيون إما إلى التكدس في مجموعات مبعثرة في أطراف المدن أو الاضطرار إلى البحث عن مأوى خارج الأراضي الفلسطينية. صحيح أن حكومة الاحتلال لا تعلن صراحة وبشكل رسمي عن عملية التهجير، ولكنها تقوم بالأفعال وتترك الباب مفتوحا لوزراء منها للتصريح بهذا الشأن هنا وهناك. 

 


وحقيقة الأمر أن الكيان الصهيوني أطلق 4 جيوش لاستهداف الفلسطينيين في الضفة، الأول: القوات العسكرية بكل ما لديها من أسلحة فتاكة وقنابل تدمير زودتها بها أميركا وبريطانيا وما لديها من جرافات لتدمير كامل البنية التحتية. الثاني: فرق الاغتيال التي تلاحق الشخصيات القيادية والنشطة من الفلسطينيين أو المساندين لهم في داخل فلسطين المحتلة وخارجها مستعينة بالتكنولوجيا الأميركية والمرتزقة لتحديد مواقع من يراد اغتيالهم. الثالث: قطعان المستوطنين المسلحين والتي تم تزويدهم بأسلحة حديثة ودعم من الجيش والشرطة والعسكريين السابقين، ويقومون باعتداءات مسلحة يومية ومستمرة على الفلسطينيين وخاصة في القرى وأطراف المدن والمخيمات والمزارع. الرابع: السلطة الإدارية والقضائية حيث تعمد هذه السلطة الى التوسع في اعتقال الفلسطينيين واحتجازهم وتجاوز العدد 11 ألف أسير، وفرض القيود على حركة المواطنين ومنعهم من العمل  والتنقل من خلال الحواجز التي تجاوز عددها 800 حاجز دائم، إضافة إلى مئات الحواجز المتحركة.
أما الأهداف غير المعلنة فهي إعادة احتلال قطاع غزة والضفة الغربية كاملتين، واستبعاد أي وجود للسلطة الفلسطينية، وتعيين حكام عسكريين تمهيداً للخطوة النهائية الحاسمة وهي التهجير القسري.
 وفي ظل الغياب العربي المؤلم باستثناء التصريحات والاستنكارات، والقلق الأوروبي الأميركي فقط من اتساع الحرب وليس الضحايا الأبرياء، فإن حكومة الكيان سوف تستمر في تنفيذ برامجها الاستعمارية مستفيدة من المعطيات التالية، الأولى: أن فترة الانتخابات الأميركية ستجعل الإدارة الأميركية غير قادرة على الحركة إلا في تقديم مزيد من الأسلحة والمال والغطاء الدولي لإسرائيل. وخلاف ذلك ستكون عرضة للخسارة. الثانية: أن الدول العربية باستثناء الأردن أخذت تغض النظر تدريجياً عن الحروب الإسرائيلية وكأنها بعيدة عن أن تصل إليها النيران يوما ما. الثالثة: أن إسرائيل ترى في أراضي الجولان التي ضمتها رسمياً إليها واعترف بذلك الضم المقيت ترامب ولم يخالفه بايدن وفي أراضي شبعا وفي الأغوار، ترى فيها محطات متوسطة للتهجير القسري للفلسطينيين ريثما ترتب الأمر مع دول أخرى مثل أستراليا وكندا وغيرهما.
صحيح أن الفلسطينيين متمسكون بأرضهم ومتمسكون بحقوقهم حتى الموت، وأن الأردن يناصرهم ويعتبر التهجير بمثابة إعلان حرب، ولكن نتنياهو واليمين الصهيوني يراهنون على الوقت والقدرة على الاستمرار. لذلك يتلاعب نتنياهو بموافقة أميركية غير معلنة في مسألة المفاوضات التي يعتبرها مجرد ستار دبلوماسي ليس إلا، وهو فيها يتجنب بشكل قطعي أي موقف جاد.
 فهل يستمر الوضع على ما هو عليه الآن لعشرة أشهر أخرى في وجه أسلحة التدمير والتعطيش والتجويع ونشر الأمراض والاعتقال والاغتيال؟ وهل سيتمكن نتنياهو وحكومته العنصرية من تدمير 85 % من الضفة الغربية دون سؤال أو حساب؟ ودون ردع كما يفعل في غزة؟ هل يعقل ألا تتحرك الأقطار العربية الرسمية والأهلية بكافة الأوراق الممكنة؛ أوراق قانونية واقتصادية ولوجستية ودبلوماسية ومدنية وشعبية؟ 
إن الصمود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية أقوى وأصلب بكثير مما يتوهم الاحتلال، وسيفشل نتنياهو وعصابته في مخططاتهم التوسعية. ولكن على كل عربي وخاصة في الدول المحيطة بفلسطين ونحن منها، أن يدرك بأن الخطر فيما يجري في الضفة والقطاع أكبر بكثير من أن يتم التهوين له أو التغاضي عنه، ولا بد من الاستعداد بتقوية الذات وحشد الامكانات ورصّ الصفوف، وعدم انتظار الذئب حتى يستكمل ابتلاع الفريسة. فالذئاب لا تشبع أبدا، والفعل المبكر أجدى ألف مرة من نظيره المتأخر.