في تصريحه الذي نشرته الصحف قبل أسبوع ،أكد رئيس غرفة الصناعة العين زياد الحمصي، أن القطاع الصناعي لا يزال يعاني من مشكلات كثيرة ،ومن أبرزها :كلفة الطاقة، ونقص العمالة الأردنية الماهرة . وكلا المسألتين تثيران الكثير من الأسئلة .هل يعقل أن البلد الذي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة لتتجاوز 15% ،ولديه معاهد للتأهيل المهني في كل محافظة ،و نسبة الأمية لا تتجاوز 6.5% ،ولديه 27 جامعة، ويصدر العمالة الماهرة إلى دول الخليج ،ويستضيف 1.25 مليون يد عاملة وافدة ،هل يعقل أن هذا البلد يعاني من نقص العمالة الأردنية الماهرة المتخصصة؟
وهل يعقل أن لا تصل المباحثات بين القطاع الصناعي والقطاع الرسمي لأي حل لهذا الموضوع ؟،والذي أثير منذ عدة سنوات ، وتعاد إثارته مرة كل بضعة اشهر، حتى أصبح من المشكلات التقليدية العابرة للحكومات؟ والتي تنتقل من حكومة إلى أخرى وكأن شيئاً لم يكن ؟ لماذا لا تصل المباحثات بين غرفة الصناعة وممثلي القطاع الصناعي ذي العلاقة والمسؤولين إلى نتيجة يمكن البناء عليها؟ وتجاوز هذه المشكلة المزمنة ؟ الا يربط الأطراف بين عدم توفر العمالة الماهرة المدربة وبين البطالة ؟والتي تتجاوز في عدة محافظات 18% .الا يمكن فتح مدارس مهنية متخصصة بالتعاون ما بين القطاع الصناعي المعني و واحدة من المؤسسات الرسمية ؟ الا يمكن الاستعانة بخبراء أجانب؟ ليس من بريطانيا والسويد وكندا، وانما من الهند والصين وماليزيا و بولندا ؟ هذا ونحن نعلم أن ليس لدينا صناعات بالغة التعقيد وهائلة التطور، بحيث تتطلب عمالة ومهارة لا يمكن الوصول اليها .أم أن المسألة هي عدم اكتراث؟ واعتبار الموضوع شأنا خاصاً بالصناعة ” الفلانية ” والانتاج “العلاني”، والحكومة لا علاقة لها بذلك ؟
كيف يمكن تخفيض حجم البطالة إذا كان التأهيل المتخصص المطلوب للصناعة الوطنية على تواضعها غير موجود ؟ وإذا استمرت الشركات المتعثرة على حالها ؟ وإذا المصانع التي اغلقت كلياً أو جزئياً لم يلتفت اليها أحد ؟ حتى أصبح الموضوع مجرد روتين عادي لا يثير الاهتمام ،حتى لو بلغت الشركات والمصانع عدة آلاف ؟ أي تحسن في النمو الاقتصادي يمكن أن نتوقعه إذا استمر الوضع على ما هو عليه ؟
.حتى الشركات التي تعثرت لسوء الإدارة أو الأخطاء والتجاوزات أو العجز عن المنافسة تمر عيها أكثر من (10) سنوات وهي بين التوقف والعمل وبين مكافحة الفساد ووزارة الصناعة، دون الحسم النهائي فيها. لماذا لا تكون هناك “محاكم متخصصة بالشركات والمرافق الاقتصادية “حتى يتم سرعة البت في قضاياها؟ لماذا لا تصدر الحكومة بالتعاون مع غرف الصناعة والتجارة “مدونة سلوك لإعضاء مجالس الإدارة والإدارات العليا” حتى يتم ضبط أعمالها في الوقت الصحيح وليس بعد أن تخسر الشركات ملايين الدنانير والتي هي أموال وطنية للمساهمين وجزء هام من الثروة الوطنية ؟ و قد أشارت الورقة النقاشية السادسة إلى القضاء و مدونات السلوك؟.
أما الطاقة للصناعة، فإن المدخل في التعامل معها يحتاج إلى مراجعة إدارياً وفنياً وهندسياً وتكنولوجياً . فالطاقة لا يصح أن تؤخذ وكأنها صندوق مقفل دون الدخول في التفاصيل والبدائل على المستوى الصناعي ذاته . بمعنى أنه لا بد من “وجود هيئة هندسية تكنولوجية متخصصة” للنظر في الطاقة للأغراض الصناعية بتخصصاتها و حيثياتهاالمتنوعة .كيف يمكن تخفيض فاتورة الطاقة ؟ ما هي البدائل التفصيلية و التجزيئية و التراكمية الممكنة ؟ و بطبيعة الحال “دون القفز العشوائي إلى الغاز ألإسرائيلي”. هل يمكن تخفيض كلفة الطاقة في كل صناعة على حدة ؟ وكيف ؟ لقد عمل الاتحاد الإوروبي وعملت اليابان والهند و غيرها في هذا الاتجاه الشيء الكثير. فلماذا لا ترسل وزارة الطاقة، بل وزارة الصناعة و وزارة المالية،المهندسين و الفنيين إلى تلك البلدان ليعودوا مؤهلين للتعامل مع الطاقة في المرافق الصناعية والانتاجية المختلفة؟ أم أن الموضوع قد أصبح عابراً للحكومات كالعادة ؟
حتى الأزمة الإجتماعية الخانقة في الأغوار، وتخبط الانتاج الزراعي بين الوفرة المفرطة في فصل ،والشح الشديد في فصل آخر، وارتفاع الفقر والبطالة هناك إلى مستويات مزعجة ،أصبحت مسألة عابرة للحكومات. ولم تستعد أي حكومة لقبول موضوع تصنيع الانتاج الزراعي لتساعد المزارع على توازن الأسواق و استقرارها، ولتوليد فرص عمل جديدة. حتى مصانع البندورة التي بيعت بأبخس الأثمان وأصحبت حديداً صدئاً، و ما تبقى منها يعتمد على الاستيراد، لم تثر الاهتمام لإعادة تشغيلها،و امتصاص فائض الإنتاج .
من الواضح أنه لا يمكن الاستمرار على هذا النحو الذي يؤدي إلى مآزق وأزمات خطيرة اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وسياسياً وانسانياً.و كذلك فإن الحكومة يطغى عليها العمل اليومي و التشغيل الروتيني و بالتالي فهي لا تستطيع منفردة التفكير واستنباط الحلول ،ولا بد من التشارك الحقيقي و الناجز مع الخبراء و العلماء و القطاعات الأهلية و الأكاديمية .
إن الجميع يتطلع للحكومة لأن تأخذ المواضيع الستة التي أشرنا اليها و هي 1- نقص العمالة الصناعية الماهرة و2- الشركات و المصانع المتعثرة و3- المحكمة الاقتصادية المتخصصة و4- تصنيع المنتجات الزراعية و5- الطاقة في الصناعة و6- الفقر والبطالة في الأغوار،مأخذا جادا و عاجلا، فتشكل ست فرق متخصصة من الخبراء لوضع المقترحات الإصلاحية والبرامج العملية اللازمة للبدء بتنفيذها . و بذا تفتح نوافذ المستقبل للشباب و للإقتصاد الوطني بشكل أفضل، ولا تستمر الأزمات هذه عابرة للحكومات.