أصدرت دائرة الإحصاءات العامة تقريرها حول البطالة للربع الثالث من عام 2013، وكانت النتيجة ارتفاع معدل البطالة ليصل إلى (14%)، وهو رقم مرتفع بكل المقاييس نظراً للحالة الاقتصادية الاجتماعية التي تمر بها البلاد والمنطقة. ومنذ أكثر من (20) عاماً وأرقام البطالة تتذبذب حول رقم 13.5%، مرة ترتفع قليلاً، ومرة تنخفض قليلاً، دون أن تلتفت الإدارات الحكومية إلى مدلولات هذه الحالة وخطورتها أولاً: أن حجم المواطنين الذين لا يجدون فرصة عمل هو في زيادة مضطردة وقد تعدى الرقم (200) ألف مواطن ومواطنة، عاطلين عن العمل عام 2013، بعد أن كان الرقم في مطلع التسعينات أقل من (100) ألف مواطن،و هكذا يضاف إلى قائمة المتعطلين (5) آلاف مواطن و مواطنة سنويا. هذا في الوقت الذي يقف فيه على الأراضي الأردنية أكثر من (750) ألف عامل وافد ومهاجر ومقيم. ثانياً: أن البطالة في صفوف المتعلمين لما بعد الثانوية في زيادة مضطردة. الأمر الذي يعني عدم حصول المتعلمين على الفرص والوظائف الملائمة لهم. ثالثاً: أن تغيراً حقيقياً في قوة الاقتصاد الأردني لم يقع، وان الاقتصاد لا زال عاجزاً عن توليد فرص عمل كافية تتناسب مع القوى المستعدة لذلك.
وفي كل مرة تظهر أرقام البطالة تكثر الدراسات والتحليلات، ولكن الإدارة الحكومية للأسف، لا تحاول الربط بين مختلف المتغيرات لإدراك و استيعاب خطورة المسألة و ما تتطلب من إجراءات. كما أن مجلس النواب تمر عليه الأرقام مرور الكرام، و لذا لا يضغط على الحكومة للخروج ببرنامج وطني يضع حلاً لهذه الأزمة المتفاقمة، والتي أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على السلم الاجتماعي، والأمن والاستقرار الوطني. وهنا لا بد من ملاحظة ما يلي أولاً: أن. استمرار انخفاض معدلات النمو الاقتصادي ومراوحتها حول رقم متواضع (3.5%) ولعدة سنوات يعني أنه لا يوجد لدى الحكومات رؤية اقتصادية ولا برنامج عمل ولا نظرة مستقبلية تدخل تعديلاً جوهرياً على آلية عمل الاقتصاد الوطني.هذا مع العلم أن الاقتصاد لا يتغير من تلقاء نفسه. ثانياً: ان ارتفاع نسبة البطالة بين المتعلمين فوق الثانوية لتصل إلى 62.5% يعكس غياب التواؤم بل و اتساع الفجوة بين التعليم العالي وسوق العمل، وبنية الاقتصاد .
وهذه ظاهرة غير اعتيادية حين تستمر لسنوات وسنوات. وعند الدخول بتفصيل أكثر نجد أن لدينا حوالي (100) ألف خريج جامعي (ذكورا وإناثا) عاطلين عن العمل،بلغت كلفة تعليمهم و تأهيلهم أكثر من مليار دينار ثالثاً: أن الشباب هم الأكثر معاناة للبطالة والتي تصل إلى (60%). وهذا يعني في ظل الغلاء الفاحش وانفلات الأسعار، ومحدودية البدائل، إن عشرات الآلاف من الشباب والأسر تعاني من الإحباط واليأس، وخاصة في المحافظات التي لم يتحرك فيها قطار التنمية حتى الآن.ماذا تنتظر الحكومة ؟ لا أحد يدري. وبالتالي علينا أن لا نفاجأ حين ينزلق الشباب إلى حالة من التوتر الاجتماعي والقلق النفسي قد تنفجر في أي لحظة. هذا إضافة إلى سهولة استغلال الشباب اليائس من قبل الحركات السياسية المتطرفة،أو رعاة الجريمة الفردية و المنظمة، أو العنف أو تجارة المخدرات.
قد يكون هذا المقال هو التاسع والخمسون بعد الألف الذي يناشد فيه الكتاب والمفكرون الحكومات المتعاقبة أن تأخذ موضوع البطالة والأسعار مأخذا عمليا وعلميا جادا. والسؤال: هل هناك حلول حقيقية دون خداع للنفس؟ودون ترحيل المشكلة إلى حكومة قادمة؟
بالإفادة من تجارب الدول، فإن المدخل الأساس والوحيد هو تصنيع الاقتصاد الوطني، والانتقال من الاقتصاد التجاري إلى الاقتصاد الصناعي الاجتماعي، حتى يصبح هذا الاقتصاد قادراً على توليد فرص عمل جديدة. لا يمكن أن تستمر البلاد في الاعتماد على الاستيراد في كل شيء حتى بلغ حجم الاستيراد (13.6) مليار دينار. فالاستيراد والتجارة والعقار والأسواق المالية وأعمال الوساطة والطرق والمباني كلها لا تولد فرص عمل تذكر. والانفتاح التجاري المطلق لا يشجع على قيام المشاريع الوطنية الريادية والصغيرة والمتوسطة. والتنمية ليست فقط بناء الطرق وخطوط المياه والكهرباء والمستشفيات ولكنها بالدرجة الأولى في بناء المشاريع الإنتاجية التي تحتاج إلى أيدي عاملة مدربة ومهندسين وأخصائيين على شتى المستويات. كذلك فإن التعليم الجامعي المتزايد الانتشار، لا يخرج شباباً للعمل في الإعمال اليدوية والفنية سواء كانت زراعة أو سياحة أو نقل أو خدمات.الأمر الذي يستدعي تطوير البيئة التكنولوجية في القطاعات المختلفة حتى يتقبلها الخريج الجامعي
إن التأهيل في التعليم العالي على مستوياته يتطلب اقتصاداً مصنعا كما هو في جميع دول العالم دون استثناء، ابتداء من الصين إلى سنغافورة، ومن البرازيل إلى ايرلندا. ويتطلب إنتاجا محليا من السلع والخدمات حيث يعمل الخريجون. ان تصنيع 25% من مستوردات الأردن كافياً لإنشاء (50) ألف فرصة عمل سنوياً. كما أن سياسة إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة هكذا دون إدخال تغييرات بنيوية في ألاقتصاد لن تفلح في تغيير الأحوال.
وبعد فإن البطالة المرتفعة و انفلات الأسعار و محدودية الدخل قنبلة موقوتة وفتنة نائمة ولا أحد يعلم متى تستيقظ لتنفجر. والحلول الجزئية لا تفيد شيئاً. والمعونات لا تخلق إرادة وطنية وإستراتيجية للتغيير. المئات من المواطنين يتساءلون:أين مجلس النواب و مجلس الأعيان؟ لماذا لا تشكل الحكومة فريقاً متخصصاً يراجع ما تم اقتراحه من حلول وبدائل ويطور كل ذلك في وثيقة وطنية تتبناها الدولة، وتشرع في تنفيذها الحكومات حتى لو تغيرت؟. وثيقة تتحدث عن تصنيع الاقتصاد ليصبح مولداً لفرص العمل، وعن تطوير التعليم ليصبح أكثر موائمة لسوق العمل، وتتحدث عن التأهيل الاجتماعي والثقافي والمهني للعاطلين عن العمل، وتتحدث عن تطوير بيئة العمل في القطاعات المختلفة لتصبح جاذبة للشباب ومقبولة لديهم؟. وإذاك يمكن للعمالة الوطنية أن تأخذ دورها وتسهم في بناء المستقبل بعزيمة وأمل.