على الرغم من استمرار القتال بين المعارضة والنظام لأكثر من سنتين، وارتفاع أعداد القتلى الى ما يزيد عن (150) ألف إنسان، وتدمير أكثر من مليون بيت في شتى القرى والمدن، ودخول حزب الله والحرس الثوري الإيراني علنا إلى سوريا للقتال الى جانب النظام، و تشريد (4) ملايين مواطن،و تدفق اللاجئين السوريين في كل اتجاه، وعلى الرغم من تفاقم الأزمة الإنسانية ووصولها مستويات غير مسبوقة بالمقاييس العالمية. وعلى الرغم من وصول الأمر إلى حافة الهاوية بعد تحميل الجامعة العربية النظام مسؤولية الكيماوي،وبعد تصويت لجنة الخارجية في الكونغرس على تفويض أوباما استعمال القوة العسكرية لإحداث التغيير بكل ما سيجلب ذلك من دمار على سوريا و على المنطقة، و هو ما لا يرجوه أحد ،فإن النظام لا يتحرك أبدا نحو حل سياسي حتى في اللحظات الأخيرة، وكأن الصراع يجري على كوكب آخر. و يبدو أن الأنظمة الشمولية الفردية تضع نفسها بكفة والدولة بكل ما فيها في كفة أخرى،و لا تستطيع أبدا أن تفهم السياسة الدولية، ولا الواقعية السياسية،ولا منتصف الطريق ، ولا تستطيع أن تدرك كره الشعب لها حتى لو أجبرته على الهتاف لها .فبقاء النظام في نظره أهم ألف مرة من الدولة و ما فيها.
إن تكتيك البقاء التي اتبعه النظام و هو إطالة فترة القتال و الدمار لما يزيد عن 30 شهرا قد وصل إلى نهايته المحتومة :الهاوية . و كأن المشهدين العراقي والليبي يعودان من جديد: تغيير النظام وتحويل البلاد إلى حطام.
لقد انخدع النظام بتردد المجتمع الدولي عن التدخل، فذلك أتاح له الفرصة لاستنزاف قوى المعارضة، وتسجيل انتصارات على شعبه للدرجة التي راح يربط بين معركة القصير و بين هزيمة الخامس من حزيران. وسمح له بإدخال عناصر متطرفة من جميع أطراف الدنيا، ليثبت نظريته «بأن القتال كله تضطلع بن منظمات ارهابية تغلب عليها مجموعة من المتطرفين» لا أكثر ولا أقل . و سمح له أن يؤجج المسألة الطائفية على المستوى السوري و اللبناني والمستوى العربي. و بالتالي خلق حالة من عدم الاستقرار تنعكس على الدول المجاورة لسوريا. أما أن هناك شعب يرغب في التغيير، و هناك معارضة تعبر عن هذا التوجه فذلك جزء من المؤامرة الكونية.
ان المعارضة تشعر بالأسف والهلع، بأن المجتمع الدولي الذي خذلها تماما ولم يبد اهتماما كافيا إزاء المآسي الإنسانية التي يتعرض لها السوريون، وانه فتح عيناً وأغمض الأخرى عن ما يجري في سوريا ،قد أوشك على الحركة في أخطر صورة على سوريا بكاملها. وفي نفس الوقت فإن تشتت المعارضة وتبعثر أفكارها وربما علاقاتها، لم تتح له أن تتماسك في جسم قوي يمكن التعامل معه سياسياً أو إدارياً أو عسكرياً بكفاءة و ثقة.
أما الدول المجاورة فقد أدركت مبكرا أن المسألة أعقد مما كان يبدو بسبب تعدد الأطراف وتضارب المصالح وهشاشة أوضاعها الإقتصادية والإجتماعية السياسية. بالتالي فإن الأمر قد يطول ، خاصة وان الأسد لم يعط أية إشارة بأنه سيترك السلطة، ويتيح الفرصة لمن يخلفه لتضميد الجراح. و من جانب آخر فإن حزب الله الذي تخلى عن أي اعتبارات وطنية يرى أن انهيار النظام في سوريا يعني تلقائياً انهيار خطوط الإمداد ، و قطع التواصل المعنوي والجغرافي واللوجستي مع إيران . وبالتالي فالحرب في سوريا هي حربه هو، لها الأولوية على كل شئ. فالحزب دون ايران ودون سوريا سوف يتضاءل ويتراجع الى حزب طائفي لا وزن له بل ستنقض عليه القوى الوطنية في لبنان وتضعه في مربع صغير . والحزب هذا يمثل نموذجا صارخا للحزب الإقليمي أو العقائدي ألأممي الذي لا يعني الوطن له شيئا سوى ساحة للحركة، ومكانا لخدمة العاصمة الأم، أو العقيدة الأممية.
وايران تلعب سياسة أعقد من أن يدرك أعماقها الأسد ومن حوله.صحيح أنها ترى في سقوط النظام في سوريا انحسارا لوجودها في الهلال الخصيب ليقتصر الأمر على العراق. وهي بذلك ستخسر ورقة مفاوضة هامة مع المجتمع الدولي أزاء برنامجها النووي. وسيضعف من وجودها في الخليج، ويضعها في موقف الدفاع. وهو أمر لا تريده الإدارة الإيرانية . و لكنها إدارة تتمتع بالدهاء والتنظيم. و هي مستعدة لأن تحارب خارج أراضيها وحتى آخر جندي سوري، و آخر قرية في سوريا. وهي التي تطبق الحكمة الشعبية التقليدية «مئة قلبة، ولا واحدة غلبة .»
أما العراق فهي ملتزمة لايران بدعم خططها الإستراتيجية في المنطقة وبالتالي تستطيع أن تكون ممراً للمعدات والأسلحة. وما لدى العراق من مشكلات مزمنة يجعل تمرير هذه الشحنات سهلاً وممكناً . فغياب الأمن في كل مكان والحرب الطائفية يتم تسخينها كلما دعت الضرورة والفساد ويتيح الفرصة لفعل أي شئ .
أما اسرائيل فإن استراتيجيها واضحة . « السكوت عن الأطراف المتصارعة حتى يستنفذ الواحد منها الاخر « فسوريا ستخرج بجيش منقسم مستنزفة قواه مدمرة معداته ويتطلب سنين وسنين لإعادة البناء والمعارضة ستخرج ايضاً مستنزفة ومنقسمة ومبعثرة.
وخلاصة كل ذلك لاسرائيل أن سوريا الدولة بعض النظر عن المنتصر أو المهزوم سوف تنهار وتتحول الى دولة فاشلة تلهث وراء الزمن وبذلك تكون اسرائيل قد استكملت الرؤية الاستراتيجية الكبرى والمتمثلة في تحييد أو تحطيم الدول الكبيرة المحيطة بها مصر وسوريا والعراق .
والموقف الأمريكي والأوربي متأثر إلى حد كبير بالموقف الإسرائيلي. فتدمير سوريا الدولة وهو هدف استراتيجي إسرائيلي، هو أيضا تقليص للإمكانات الإيرانية في المنطقة مما يجعلها أكثر استعداداً للتفاوض. أما النظام فلا يعني الولايات المتحدة أو أوروبا الا بالآثار السلبية المتأتية عن بقائه أو انهياره.
أما روسيا فإن تأييدها للنظام سوف يستمر الى أن تتوفق بصفقة مناسبة مع الولايات المتحدة الأمريكية . الجانب الإنساني لا يعني شيئاً لكل هؤلاء والكل فيهم يتحرك في الخفاء لتحقيق أهدافه ومراتبه.
إن تركيا قلقة من الوضع في سوريا لأنه خلق لها مشكلات كانت تريد أن تتجاوزها لكي تركز على دورها السياسي الإقتصادي في المنطقة العربية. غير أن أردوغان الذي تتوفر فيه البرجماتية الكافية، سيقف مع الولايات المتحدة و عشر دول أخرى في ضربتها العسكرية المتوقعة ، لكي يتغير فيما بعد إذا تغيرت موازين القوى . أما الظن بإشعال المنطقة، وتدمير الشرق الأوسط، فذلك وهم غرق فيه صدام و القذافي.
والسؤال: هل هناك من أمل في تجنيب سوريا بشعبها وجيشها واقتصادها ومدنها وقراها ويلات الهجوم العسكري وتفكك الدولة؟ الإجابة نعم، إذا أعلن الأسد وطاقمه
الاستعداد للرحيل إلى ملاذ آمن، وتسليم السلطة للشعب ممثلا برموز المعارضة الوطنية. والملاذ في روسيا وإيران أكثر من جاهز للاستقبال. ولكن هل يعمل العقل
في اللحظة الأخيرة؟ و هل يصحو الضمير قبل ساعة الصفر؟ التاريخ للأسف يقول لا ثم لا