رغم أنها أسقطت على غزة أكثر من 29000 طن من المتفجرات أو ما يعادل قنبلتين نوويتين، وقتلت 4200 طفل و3400 امرأة وجرحت 24000 مدني هناك، وقتلت في الضفة الغربية 280 واعتقلت 1600 مواطن، إلا أن الحرب الإسرائيلية العنصرية المتوحشة ضد قطاع غزة، والضفة الغربية، لم تتراجع ولا زالت المقاومة الفلسطينية صامدة وتكبد العدو الخسائر الفادحة. أما إستراتيجية القتل النازي الحاقد التي تسيطر على المخطط الإسرائيلي فإنها تتصاعد باستمرار. إن الحرب لا زالت بعيدة عن النهاية، ومجلس الأمن فشل في اتخاذ قرار ملزم بوقف الحرب أو حتى هدنة إنسانية. ويهدف الغرب من التأخير والتسويف إعطاء إسرائيل الوقت الكافي لإكمال جرائمها، إن ما قامت به إسرائيل خلال الأسابيع الماضية والدعم الغربي دوليا ولوجستياً ومالياً وإعلامياً وزمانيا، والعمل مع الحلفاء لتعطيل أي قرار أو إجراء دولي يدين إسرائيل أو يؤثر على خططها العدوانية، كل ذلك يفتح صفحة للمستقبل ينبغي قراءتها بعناية من جميع الدول العربية، وخاصة المحيطة بإسرائيل، واستيعاب الدروس التي تحملها، إذ لا تنفع القراءات المتأخرة أبدا.
الدرس الأول: إن انتصار المقاومة الفلسطينية سيكون انتصاراً للدول العربية من حيث إمكانية مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية مستقبلاً، ورافعا للمعنويات الجماهيرية العربية. كما أن هزيمة المقاومة (لا سمح الله) ستكون هزيمة للأنظمة العربية تفتح الباب لاعتداءات وابتزازات إسرائيلية لا تنتهي.
الثاني: إن العقيدة الصهيونية الاستعمارية القائمة على الاحتلال والمصادرة والتوسع لا تزال هي المحرك الرئيسي للسياسات الإسرائيلية. وإن الهدوء من آن لآخر أو البطء بالتقدم والتنفيذ ما هي إلاّ تكتيكات لا تغيّر من التوجه الإستراتيجي. ومن هنا فإن عدوانية إسرائيل التي لا حدود لها ولا ضوابط قانونية أو أخلاقية أو إنسانية أو دولية، ليست نتيجة لأزمة إسرائيلية داخلية وهروب نتنياهو إلى الأمام، وإنما هي تعبير عن جوهر العقل الصهيوني الاستعماري التوسعي. وهذا سيتواصل مستقبلا.
والثالث: إن الأشخاص والأماكن والمرافق التي لا يجوز توجيه أي ضربات لها كالمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والصحفيين والأطفال والنساء ودور العبادة كل هذا لا يعني شيئاً للتحالف الغربي ولا للجيش الإسرائيلي الذي تقوم عقيدته القتالية على العنصرية والكراهية المطلقة للعرب عموماً وللفلسطينيين بوجه خاص.
والرابع: أن إسرائيل يمكن أن تلجأ إلى الإبادة الجماعية لمن تحاربهم من خلال قطع إمدادات المياه والطاقة والغذاء والدواء بغض النظر عن أي اتفاقيات أو ترتيبات مسبقة. ومن هنا فعلى كل دولة عربية أن تعيد قراءة ما بينها وبين إسرائيل من اتفاقيات أو تفاهمات للتعرف على المفاصل التي يمكن لإسرائيل أن تبتز الدولة العربية عن طريقها.
الخامس: أن التأييد الغربي لإسرائيل متجذر في السياسة الأميركية الأوروبية وسيستمر بغض النظر عن الأشخاص والإدارات والأحزاب. فإسرائيل تشكل الذراع التي يتم من خلالها ضمان المصالح الغربية.
والسادس: أن الإعلام الغربي الصهيوني الذي أخفق في تضليل الرأي العام العالمي سيستأجر بعض الإعلاميين العرب «ليعيدوا تجميل صورة الدول الغربية وإلقاء اللوم على المقاومة لأنها لا تستشير أحدا قبل عملياتها وأن التاريخ الاستعماري يجب أن ينسى» وغير ذلك.
والسابع: أن نهوض أي دولة عربية وتقدمها الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي ناهيك عن العسكري تعتبره إسرائيل خطراً عليها لا بد من إيقافه أو إفشاله وتبديده أو تقييده.
والثامن: أن عمليات التهجير القسري تنظر إليها إسرائيل أنها الطريق الوحيد لتحقيق يهودية الدولة والتخّلص من القنبلة الديموغرافية الفلسطينية. ومن هنا فإن الدول المجاورة وخاصة مصر والأردن وسورية ولبنان هي حسب المخطط الإسرائيلي ساحات لاستقبال الفلسطينيين المهجرين قسراً.
التاسع: أن التهجير القسري يمكن تحقيقه حسب التخطيط الإسرائيلي من خلال التدمير الكامل للمساكن وقطع المياه والكهرباء والوقود وتدمير مرافق الحياة، وبالتالي اضطرار الفلسطينيين للتحرك باتجاه الحدود باعتبارها أكثر أمناً. وهنا ستصبح الدولة التي يقف على حدودها عشرات الآلاف من الفلسطينيين بلا مأوى في موقف حرج، قد يضطرها تحت الضغط الغربي والإنساني إلى قبول الفلسطينيين (هكذا يتخيل الإسرائيليون). وبذا يتحقق التهجير لأسباب إنسانية وهذا ما يتعرض له المواطنون الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية. العاشر: أن إسرائيل سوف تستخدم نفوذها، بغطاء أميركي، لدى المؤسسات المالية الدولية لإغراء الدول المجاورة بقبول المهجرين بالمال والصفقات من منح ومساعدات ضخمة وشطب الديون لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والقروض الأوروبية والأميركية. وقد أقر نتنياهو بأنه حادث البنك الدولي بخصوص إعفاء مصر من ديونها مقابل قبول المهجرين من غزة.
الحادي عشر: إن أي انتصار لإسرائيل سوف يكون عاملاً قوياً في منع أي تكتل وتماسك عربي وفي منع أي مشروع إستراتيجي عربي ما لم تكن إسرائيل شريكا أساسياً ويمر من خلالها.
الثاني عشر: إن الاعتماد الإستراتيجي على السياسات والبرامج الأميركية والأوروبية باعتبارهم حلفاء لمعظم الدول العربية سوف يؤدي إلى الخسارة. لأن الغرب غير مستعد لإفشال المشروع الإسرائيلي أيا كان.
الثالث عشر: إن العنصرية والنازية والرؤية الاستعمارية قد تغلغلت في أعماق المجتمع الإسرائيلي، فلا صوت للسلام ولا صوت للتعايش ولا صوت للقانون الدولي الإنساني في المجتمع الإسرائيلي ومفكريه، باستثناء عدد محدود تماما من المفكرين الذين خرجوا من ظلام اليمينية الإسرائيلية.
لقد أخذ الأردن القرار الصحيح باستدعاء السفير الأردني من تل أبيب ورفض عودة الإسرائيلي إلى عمان. والمطلوب تجميد كل الاتفاقيات والتعاملات العربية مع إسرائيل. إذ تنص معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في مطلعها على أن كلاً من الأردن وإسرائيل «تهدفان إلى تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط مبني على قراري مجلس الأمن 242 و338 بكل جوانبهما» وعلى مدى 30 سنة من توقيع المعاهدة لم تلتزم إسرائيل بنصوص المعاهدة وخاصة ما ورد في المطلع أعلاه وهو إنهاء الاحتلال وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
وليكن صمود غزة والضفة الغربية وكسر الأسطورة الإسرائيلية حافزاً لتحرك عربي يقوم على مواجهة الانتهاكات وعدم الثقة في التزامات إسرائيل، فالعدو الماكر سيستمر في الخداع حتى يجد الطريق أمامه مغلقا، وعدم التعويل على الآخرين. فالحق لا يصل إلى أصحابه إلا من خلال جهودهم وتضحياتهم. وعلى الدول العربية أن تخرج من ترددها إلى دعم الفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربية بقوة
فالمستقبل لتحرر فلسطين.