أولويات وطنية في فترة متأرجحة

يحل عام 2025 والمنطقة العربية تمر بأحداث جسام نتيجة لتراكمات وتدخلات على مدى السنوات الماضية. وإذا ركزنا النظر على الأردن والدول العربية المحيطة به، نلاحظ أنها تمر بحالة من الهلامية السياسية والأرجحة الاقتصادية والخلخلة اللوجستية التي لم تتحدد ملامحها النهائية بشكل واضح. فالعدوان الصهيوني في فلسطين يتوحش يوما بعد يوم، ولبنان لم يخرج بعد من حالة اللاقرار إزاء الرئاسة والإدارة وتفكك المؤسسات، ولم تنته الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على أراضيه. وسورية في مرحلة ما بعد الأسد لم تحسم قضايا الأمن ووحدة الأراضي والوفاق الوطني بعد. وتحاول بعد تدمير استمر 13 سنة أن تتلمس طريقها إلى المستقبل بدرجة من التفاؤل، بينما يسيطر القلق على العراق بسبب الحركات المتطرفة التي نشطت من جديد، ما دعاه لتأجيل خروج قوات التحالف منه، والولايات المتحدة تتمركز بنشاط وتقيم قاعدة جديدة في سورية في عين العرب، في حين تسحب روسيا الجزء الأكبر من قواتها ولم يبق سوى قاعدتي الحميمين وطرطوس، في حين تسيطر تركيا على شريط حدودي سوري عميق. أما إيران فقد خرجت مليشياتها وانسحب خبراؤها العسكريون في عين الوقت الذي تفكك فيه الجيش السوري لتغتنم إسرائيل الفرصة وتضرب جميع النقاط والمراكز العسكرية والبحثية السورية، وتتحرك القوات الإسرائيلية لتحتل المنطقة العازلة وتصل إلى جبل الشيخ، ثم تتحرك جنوبا وتموضع قواتها في الجزء الجنوبي من سورية لتسيطر على حوض نهر اليرموك. أما الأقطار العربية الأخرى وخاصة السعودية ودول الخليج العربي فقد ابدت دعمها للثورة السورية الجديدة بينما تتأمل مصر سلسلة الأحداث بشيء من الريبة والتشكك، في حين تحرك الأردن ليقدم المعونات الإنسانية الى سورية، دون أن يوقف جهوده الإغاثية المتواصلة تجاه غزة والضفة الغربية. لقد أبدت تركيا كل مساندة للنظام الجديد في سورية وانطلق مندوبو الدول الأوروبية والمؤسسات الدولية بالتوافد على دمشق. إزاء هذه الحالة البالغة التعقيد وانقطاع العمل العربي المشترك، وغرور  نتنياهو وإصراره الأعمى على استمرار الحرب في كل اتجاه، وإزاء برامج اليمين الإسرائيلي الهادفة إلى السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية، والمفاجآت المنتظرة بعد أسبوعين حين يتولى ترامب قيادة البيت الأبيض، فإن المسألة الوطنية في الأردن تستوجب الاهتمام المتجدد والتركيز المثمر حتى يحافظ الأردن على سلامته وأمنه ومنعته من جهة، واستمرار مسيرته نحو النهوض الاقتصادي والتحديث السياسي اللذين رسمت ملامحهما قبل سنوات من جهة ثانية، حيث تسعى الحكومة جادة لتسريع وتيرة الإنجاز في أبعاده المختلفة. هنا، وفي هذه الفترة بالذات تحتل المسائل الثلاث الرئيسة وهي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أهمية خاصة تستلزم تعزيز العمل المشترك بين جميع الأطراف ذات العلاقة. ولعل النقاط الرئيسة التالية تكون محل الاهتمام: أولاً: أن الدبلوماسية الوطنية الأردنية بكل ما تتحلى به من مصداقية وتوازن والتزام واحترام على المستوى العربي والدولي بحاجة الى مزيد من الدعم والمساندة من خلال اضافة مسارب جديدة لها تعطيها تنوعا أفقيا وعموديا، بحيث تمهد المسارب الجديدة الطرق الآمنة للمسارب السياسية صاحبة القرار حسب تطور الأحداث. وهذه المسارب قد تشمل الأكاديميين والمفكرين ورجال الأعمال. ثانياً: أن يكون للبرلمانيين الأردنيين دور نشط بتعزيز العلاقات مع البرلمانات الأخرى لنقل الرؤية الأردنية للبرلمانات والحكومات. ثالثاً: العمل على تمتين النسيج الوطني من منظور مجتمعي من خلال نشاطات منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والتعاونية لجسر أي ثغرة بين الإدارة والمجتمع، ونقل تفاصيل المشكلات المجتمعية للجهاز الرسمي المختص والمساعدة في وضع الحلول المناسبة. رابعاً: تنشيط المنظمات والنوادي الشبابية وربط الشباب بالقضايا الوطنية من خلال المشاركة في الأعمال التي تعزز ارتباط الشباب بالمسائل الوطنية على أنواعها المختلفة. خامساً: التوسع ببرامج تمكين الشباب بالمهارات التي تتطلبها المرحلة وفي مقدمتها مهارات الريادة والأعمال والمهارات الرقمية وإدارة المشاريع، وهذا يتطلب برامج مكثفة من وزارات الشباب والثقافة والمؤسسات التعليمية والإعلامية. سادساً: التوسع بالشراكة بين القطاعين؛ العام والخاص، وخاصة بإنشاء المشاريع الإنتاجية الجديدة في المحافظات وعدم الانتظار لقدوم المستثمرين من الخارج. سابعاً: لمشاركة القطاع الرسمي بتمويل المشاريع المتوسطة والكبيرة أهمية خاصة بهذه المرحلة من عدم استقرار المنطقة وما تعانيه من تقلبات تتطلب أن يطمئن المستثمر مهما كان حجم استثماره إلى مستقبل هذا الاستثمار بكل ما يلزم من شراكات واستقرار التشريعات. ثامناً: المشاريع الجديدة الكبرى والصناعات الكبرى القائمة تشكل قاطرة قوية للنمو الاقتصادي، إذا استندت إلى التمويل الوطني المجتمعي، وإذا تم التعامل معها بحكمة من حيث سرعة الإنجاز، وتحديد المشاريع الفرعية والصناعات التي يمكن أن تنبثق عنها، والعمل على الخروج بهذه المشاريع في الوقت الصحيح دون تأجيل وتسويف.
وأخيراً فإن 2025 وما بعده يتطلب استثمار الجهود الوطنية الى اقصاها في كل اتجاه ومن كل مؤسسة، حتى يحافظ الأردن على زيادة معدلات النمو الاقتصادي وتخفيض معدلات البطالة، وبالتالي زيادة القدرة على المنافسة على مستوى إقليمي ودولي.