إسـرائيل والمفاوضات… حلقات لا تنتهي

بعد جهود مكثفة بذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وافق الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي على استئناف مفاوضات السلام على أن تصل إلى نتائج حاسمة خلال (9) أشهر.
بدأت الجولة الأولى في واشنطن قبل أيام وانتقلت بعدها إلى القدس، وقامت إسرائيل بالإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين كجزء من الاتفاق بين الفريقين . والجميع يتساءل إلى أين؟  لكن إسرائيل وكما هي العادة، ونيتنياهو بالذات أراد أن يرسل رسالة قوية إلى أوباما وكيري وبوتين وعباس والى الشعب الفلسطيني والإسرائيلي والمستوطنين على وجه التحديد، أن المفاوضات لن تغير من السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين شيئا، ولن تؤثر على برامج الاستيطان، وان اغتصاب الاراضي الفلسطينية سوف يستمر. نتنياهو يرفع شعار “توسع واغتصب، وأنت تفاوض”. وهكذا تم الإعلان عن إقرار إنشاء مئات الوحدات السكنية في القدس وفي الضفة الغربية.
قد يكون اختيار موعد المفاوضات في هذه الفترة بالذات هو الأسوأ بالنسبة للجانب الفلسطيني، والأفضل بالنسبة للجانب الإسرائيلي. فالفلسطينيون لازال الانقسام لديهم هو سيد الموقف. وهو ما بدأته حماس وأقامت لنفسها حكما خاصا، أو نظاما انغلاقيا في غزة. و راحت تعارض كل محاولة للصلح والاتفاق، فتارة تستقوي بإيران، وتارة بحكم الإخوان، وثالثة بحزب الله.ومن أجل الحكم والسلطة والإمارة ترفض كل مبادرات الوفاق الوطني الفلسطيني.وهذا غاية ما تسعى إليه إسرائيل.
و من جهة ُثانية، فإن الواقع العربي في أسوأ حالاته.فالعنف والاستقطاب والتعصب، والانقسامات الدينية والطائفية والفئوية، والقتل والإرهاب والارتهان للقوى الأجنبية، و غياب الغيرة على مستقبل الوطن مقابل السلطة، يسيطر على المشهد في مصر والعراق و لبنان و سوريا و تونس و ليبيا واليمن والسودان، إضافة إلى تعثر برامج الإصلاح في أقطار أخرى .والجامعة العربية والمؤسسات العربية الأخرى نتيجة لكل ذلك مصابة بالشلل التام، والمواقف الرسمية العربية متعارضة و متضاربة. ومن جهة ثالثة، فإن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لا زالت تعاني من الأزمة المالية الاقتصادية، ولا يعنيها كثيرا ما يجري في المنطقة باستثناء ماله علاقة بأمن إسرائيل، و باستثناء ما يقترب من مصالحها الحيوية . و تدفع إسرائيل نحو تشجيع كل ما يساعد على استمرار الصراعات الداخلية في الأقطار العربية حتى تستنزف ذاتها من الداخل. و ربما هذا ما دفع كيري إلى تعيين مارتن أنديك وهو المعروف بانحيازه التام لإسرائيل و مواقفه السلبية من الفلسطينيين ليكون منسقا للمفاوضات.
لم تلتزم الولايات المتحدة و لا إسرائيل بأية محددات رئيسية للمفاوضات، و أهمها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية و في حدود 1967، والقدس الشرقية عاصمة لها، ناهيك عن المسائل الأخرى الكبرى  وهي الحل العادل لمشكلة اللاجئين، وتثبيت الحدود، و مستقبل المستوطنات، و  توزيع المياه.
لقد تدرب المفاوض الإسرائيلي على مدى السنوات العشرين الماضية، منذ أوسلو و حتى اليوم، على التفاوض من أجل التفاوض، و شراء الوقت، و تسجيل حضور في قاعة المفاوضات. أما النتائج، والوصول إلى حلول عملية وفق القانون والشرعية الدولية، فلم يتهيأ المفاوض الإسرائيلي لذلك بعد. و لا يعني أن تكون تسيفي ليفني على رأس الفريق الإسرائيلي أن هناك تغييرا في النوايا أو التوجهات و إنما يعني أن هناك 9 أشهر يستطيع نتنياهو أن يفعل فيها ما يشاء.
والسؤال: أين يريد نتنياهو أن يأخذ الفلسطينيين ؟ والجواب  ببساطة: إلى مزيد من التنازلات، وإلى كثير من التفاصيل ، وإلى النقطة  التي يرفضون فيها استمرار التفاوض. كان  يظن نتنياهو إن مجرد الإعلان عن توسيع المستوطنات بحد ذاته كافيا لأن يجعل الفلسطينيين يقطعون التفاوض منذ الأسبوع الأول. وإذاك يعلن أن ليس هناك من شريك  فلسطيني للتفاوض.  . وبالتالي تكون هذه المفاوضات حلقة من مسلسل لا ينتهي.
على الجانب الفلسطيني أن يراجع حساباته. فبدون انتهاء الانقسام والتوحد في جبهة قوية متراصة، ودون أن تكون هناك ضغوط عربية ينبغي الإعداد لها، ودون دعم المنظمات الدولية، فإن إسرائيل لن  تغير من مسارها  التقليدي شيئا . يعود ذلك لاعتبارات سياسية وانتخابية من جهة، ولاعتبارات صهيونية عقائدية توسعية من جهة أخرى.. حتى لو كان سيؤدي ذلك إلى التدمير الذاتي  لهذا الكيان الغريب بكامله يوما ما