قبل أسبوعين وفي 17/9 القى نتنياهو كلمته في اجتماع الأمم المتحدة. وكانت كلمة ملفتة للنظر بسبب لهجة الغرور والاستكبار التي طغت عليها،وبسبب ما جاء فيها من ادعاءات خادعة توهم العالم بمظهر العلم و التكنولوحيا ، وتخفي جوهرالوجه القبيح للعنصرية والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين . ومما عزز هذا الاتجاه لديه، ادعاؤه أن العالم يمرفي أوج التحول من حيث مكانة اسرائيل، حيث بدأ الجميع يكتشف ما لدى اسرائيل من إنجازات في العلم والتكنولوجيا والديمقراطية .تماما كما كانت إدعاءات هتلر بالعلم و التكنولوجيا الألمانية ليبرر عنصريته القبيحة و احتلاله لعدد من دول اوروبا. و كانت دعاية هتلر تقوم على التركيز على عظمة الإنجازات الألمانية لتخفي القتل و التعذيب و الإبادة التي كان يمارسها في البلاد المحتلة و عانى منها اليهود الألمان. إن ما إدعاه نتنياهو مخالف للواقع تماما: فالكثير الكثير من الدول و المنظمات الدولية و السياسيين و منهم جيمي كارتر أصبحوا أكثر وعيا بعدوانية اسرائيل واغتصابها لحقوق الفلسطينيين ومخالفتها للقانون الدولي .
لقد كان خطابه نموذجا للخداع السياسي والأخلاقي . فالجانب البشع من سياسات اسرائيل وبرامجها كان متسترا بمبادرات هنا و هناك ،فاحتلال الأراضي الفلسطينية غائبا،و حصار 2 مليون إنسان في غزة لأكثر من 10 سنوات، ومصادرة الأراضي والاعتقالات، وسياسة التهويد والعنصرية ،كل ذلك كان معتما عليه خلف قناع كاذب وكما يفعل الممثلون على خشبة المسرح . وهنا يمكن الإشارة إلى نقاط رئيسية في خطاب نتنياهو . أولاً : الأمم المتحدة . فهي في رأيه لا تميز بين الخير والشر ولا بين اللون الأبيض والأسود عندما يتعلق الأمر باسرائيل . فقرارات مجلس الأمن المناوئ لاسرائيل حسب إدعائه شكل انتكاسة للسلام. ولم يعترف أنه لا يؤمن بالسلام إطلاقا و لا يريده أبدا. و لم يذكر عشرات المرات التي تعطلت قرارات مجلس الأمن بسبب الفيتو الأمريكي الذي يشكل عمود الارتكاز لاسرائيل. كما أن منظمة الصحة العالمية التي انتقدت اسرائيل بسبب الحالة الصحية في الجولان،أصبحت في رأيه سيئة ومعادية. وهو يدعي أن اسرائيل قدمت المساعدات الطبية لألاف السوريين. و بكل غرور يفترض نتنياهو أن بلاده فوق الانتقاد، وفوق الأمم المتحدة ومنظماتها. بل يتساءل و باستناد على الرئيس ترمب : “ألا يوجد حد لسخافات الأمم المتحدة كلما تعلق الأمر باسرائيل؟”أي غرور أكثر من هذا . ثانيا : سرقة التاريخ الفلسطيني . حيث حمل نتنياهو على “اليونسكو لأنها اعلنت بأن مغارة ابراهيم ( المكفيلة ) في الخليل موقعاً تراثياً فلسطينياً عالمياً”. وراح يسلسل الأنبياء حتى يصل إلى الشعب اليهودي . ويطالب اليونسكو أن لا تعتمد الحقائق التاريخية والديمغرافية والسياسية المتعارف عليها دوليا، بل يريدها أن تعتمد على التوراة . إنه لا يستطيع أن يتفهم أو يعترف أن القانون الدولي شيء والكتب الدينية شيء آخر. ثالثاً : معاداة السامية . فالأمم المتحدة ،في نظر نتنياهو،و لفترة طويلة هي “بؤرة لمعاداة السامية”. وهكذا عبر نتنياهو عن العقلية اليمينية الاسرائيلية والصهيونية المتطرفة التي تريد أن توهم العالم بأن كل قرار يمس اسرائيل هو معاداة للسامية ولليهود، وهي العبارة التي تقلق الأوروبيين والأمريكان على حد سواء،رغم ما فيها من زيف وتضليل . أما الخلط بين الأعراق والأديان والدول فلا يعني له شيئا، و يتعامى عن التمييز بين اليهود كيهود في أنحاء العالم، وبين كيان سياسي متعصب وعنصري لا يريد أن ينهي الإحتلال هو اسرائيل ،وبين عقيدة استعمارية شوفينية على النمط النازي هي الصهيونية.. رابعاً : ايران . وقد شن هجوما كبيرا على ايران وعلى الاتفاقية النووية معها، متهما إياها بأنها تسعى إلى تدمير اسرائيل ،بل وتهدد العالم بأسره بالتكنولوجيا النووية. والخطر في رأيه “ليس بامتلاك ايران القنبلة النووية وانما من قدرتها وتمكنها من التكنولوجيا النووية”. وهذا يعني أن اليمين الإسرائيلي لا يريد لأحد :ايران أو مصر أو تركيا أو أي دولة عربية أو مجاورة امتلاك القدرات التكنولوجية النووية، في حين أن اسرائيل تعمل سراً في هذه التكنولوجيا ودون رقابة منذ 60 عاماً ،وانها حتى الآن ترفض الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، في حين أن جميع الدول العربية وايران وتركيا قد انضمت إلى هذه المعاهدة منذ سنوات طويلة، و ملتزمة بنصوصها التي تتهرب منها اسرائيل. وتناسى نتنياهو أن اسرائيل تخزن لديها ما يقرب من 200 رأس نووي أمريكي جاهزين للاستعمال. خامساً : المباهاة والاستكبار. فهو يتحدث ” عن المساهمة المدهشة ” التي تقدمها اسرائيل “لسكان العالم”،يقول نتنياهو مخاطبا مندوبي في الأمم المتحدة ” مساهمة إسرائيل في الغذاء الذي تتناولونه ،والمياه التي تشرونها، والأدوية التي تتعاطونها ،والسيارات التي تركبونها ،والهواتف الخلوية التي تستعملونها، وغيرها المزيد التي تغير وجه العالم( عالمنا)” ويتابع نتنياهو ” ترون ذلك في ابتسامة ام أفريقية .. و طفل عربي، ووجوه الناجين من الزلازل في هايتي ونييال، لقد فازوا بحياة جديدة بفضل الإسرائيليين” . لو أن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا أو فرنسا أو المانيا أو اليابان و هي الدول التي غطت اختراعات علمائها وابتكاراتهم وصناعاتهم و مساعداتهم العالم بأسره فعلا، لو تحدث أحد الرؤساء بالطريقة ذاتها ،لضجت القاعة استهزاء بالصلف والغرور. ولكنه نتنياهو و الصهيونية. يلبس قناع “دكتورجيكل” وفي حقيقته أكثر سواداً وحقداً من ” مستر هايد “. ألم تكن المانيا النازية تضج بالابتكارات والاختراعات و الإنجازات ؟ الم يبتكر العلماء الألمان آلاف المفردات العلمية والتكنولوجية والهندسية؟ فهل كان ذلك يغفر لهتلر عنصريته ونازيته و عدوانيته ؟ بالطبع لا.
المشكلة التاريخية ،أن نتنياهو واليمين الإسرائيلي و ربما النخبة الإسرائيلية لازالوا يحملون القناعة السوداء أن دولتهم يمكن أن تقوم على الاغتصاب والاحتلال وطمس الحقائق و تزوير التاريخ و الجغرافيا و يغطيها قناع من الحرير.
و الخلاصة ،على الجانب الفلسطيني أن يزيد تلاحماً وقوة و صمودا ،و تعليما و إنجازا و إبداعا، وعلى الجانب العربي أن يعطي العمل و التعاون الدولي والبحث العلمي والإبداع والاختراع والتصنيع أهمية كبرى، حتى تكون هناك مساهمات للعرب في تقدم الانسانية، وحتى لا يتفاخر نتنياهو أنه شرب ورئيس الهند من ماء البحر بعد أن تمت تحليته بجهاز تحلية متحرك طوره اسرائيلي . العلم والبحث والابداع و المشركة الإنسانية مطلوب أيها العرب. وفي نفس الوقت لا يغطي الإنجازالعلمي على الجرائم والاحتلال والعنصرية ايها المفكرون و المثقفون و العلماء الاسرائيليون، ويا مستر نتنياهو.