مراوغات نتنياهو.. تعويض الفشل وابتلاع الضفة

بعد 9 أشهر على الحرب العنصرية اللاإنسانية ضد غزة، والحرب التهجيرية المكشوفة في الضفة الغربية، يجمع الخبراء والمتابعون من داخل الكيان الصهيوني وخارجه، أن أهداف نتنياهو التي أعلنها في بداية الحرب قد فشلت تماما. فلا هو قضى على المقاومة، ولا استعاد الأسرى، ولا سيطر على القطاع، ولذا راح يطيل الحرب على غزة ويتغول في التدمير والقتل، ويشن حملات يومية في الضفة الغربية لأنه «يبحث عن خروج من مأزق الحرب من جانب وابتلاع الضفة من جانب آخر». يريد ان يقول للإسرائيليين، «نعم لم أحقق كذا وكذا ولكني حققت شيئاً أهم وهو الضفة، ولا بد من استمراري في الحكم لإتمام المهمة». ولذا لجأ نتنياهو وحكومته وخاصة الوزيرين الكريهين المتعصبين، بن غفير وسموتريش، إلى المساعدة في تعويض الفشل من خلال جرائم أخرى ضد الفلسطينيين علنية وسرية. وذلك على النحو التالي:
أولاً: الرفض الرسمي الإسرائيلي العلني لقيام دولة فلسطينية رغم اتجاه معظم دول العالم لتأييد قيامها سواء على المستويات الرسمية أو المستويات  الشعبية.
ثانياً: تشكيل المليشيات المسلحّة من المستوطنين لتقوم بالاعتداءات المتواصلة على مواطني الضفة بما فيها القدس وتسخير الجيش  لتدمير البنية التحتية في كل مكان، ولدعم تلك المليشيات التي تجاوزت اعتداءاتها 1156 اعتداء منذ 7 تشرين الأول، ولتعزيز سطوتها والتمهيد  لها باجتياح المدن والقرى والمخيمات الفلسسطينية على غرار عصابات عام 1948.
 ثالثاً: إخضاع السلطة الوطنية الفلسطينية للانقياد الكامل للسياسة الإسرائيلية، وتجريدها من كافة الصلاحيات وحجز الأموال التي يدفعها الفلسطينيون عنها. بل وتعيين حاكم إداري صهيوني للضفة يكون هو المرجع الإداري الأعلى. وبذلك يكون نتنياهو قد مزق آخر صفحة في اتفاقية أوسلو، وأعاد الأوضاع الى الاحتلال المباشر.
رابعاً: انفلت سموتريتش، الاستعماري الأوكراني الأخطر والأوقح في حكومة نتنياهو، وتسلم وزارة المالية لينفق بدون حدود على تمويل المستوطنين والمليشيات الصهيونية وتسليحها بهدف واضح أعلن عنه قبل أيام «ضم الضفة الغربية لإسرائيل» إضافة إلى ما أعلنه في باريس «برفع خريطة تضم الأردن» إلى ما يسمى إسرائيل. ويجري الآن دراسة 52 مخططا لمستعمرات جديدة أعلن سموتريتش استعداده لتمويلها.
خامساً: تعمل الحكومة الاسرائيلية على الإمعان في تقطيع اوصال الضفة الغربية واحتلال الخطوط الفاصلة بين فلسطين والأردن وبين مصر وقطاع غزة لتكون كامل الاراضي الفلسطينية تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية وتحت ضغط المستوطنين سادساً: يتألف البرنامج الصهيوني الحالي إزاء الفلسطينيين من 3 عناصر الأول مصادرة الأراضي الفلسطينية في كل مكان، وقد تم مصادرة 69 % من مجمل مساحة القسم ج حسب أوسلو و 42 % من أراضي الضفة الغربية وإقامة أكثر من 840 بوابة وحاجزا عسكريا فقط منذ 7 تشرين الأول حتى يتحول الفلسطينيون الى مجرد سكان في بيوت محددة لا يمكن التوسع الأفقي فيها. والثاني تدمير المزارع والبنية التحتية للمدن والقرى والمخيمات، والثالث القتل والاعتقال المستمر وغارات المستوطنين على السكان في كل مكان حتى يصبح الرحيل الحل الوحيد أمام الفلسطيني، وقد تم ترحيل 25 تجمعا سكانيا فلسطينيا منذ طوفان الأقصى تضم 1277 مواطنا.
سابعاً: يعمل نتنياهو بكل إصرار على توسيع الحرب وخاصة باتجاه لبنان حتى يحقق نصراً في جنوب لبنان ليعوض فشله في الضفة الغربية والقطاع وليدعي إعادة سكان المستعمرات الشمالية إلى بيوتهم وهذه الحرب لها تأثيراتها الخطيرة على سورية والأردن ولبنان.
ثامناً: العمل بكل الوسائل على إبقاء الفصائل الفلسطينية في حالة انقسام وتلاسن وتبادل اتهامات، والضغط على السلطة للبقاء على حالها جامدة دون إصلاح، والضغط على الأقطار العربية، من خلال الولايات المتحدة الأميركية، بعدم التدخل، رغبا أو رهباً، فيما يجري على الأراضي الفلسطينية. 
 والسؤال الذي يتردد على لسان بل ضمير كل عربي: «ألا تشعر الأقطار العربية بالخطر إزاء برامج التوسع الصهيوني؟ وهي إن لم تتوسع جغرافياً في هذه المرحلة فستعمل على التوسع من خلال المال والاقتصاد والمؤسسات الدولية التي تسيطر فيها أميركا على القرار، ليأتي التوسع الجغرافي فيما بعد. هل ستبقى الدول العربية باستثناء الأردن غائبة عن الساحة هكذا؟ وإلى متى؟ هل ستبقى منظمات المجتمع المدني العربية واتحادات الحقوقيين والبرلمانيين وحقوق الإنسان صامتة على المستوى الوطني والعربي والدولي؟ ألا يرسل السكوت العربي الرسمي والأهلي إشارة إيجابية لإسرائيل : «إن الاعتداء على دول عربية أخرى مثل لبنان أو سورية أو مصر أو الأردن واحتلال مزيد من الأراضي لن يحرك أحداً عربيا» ألا يشجع التغافل العربي  إسرائيل على المزيد؟ وإذا أخذنا بعين الاعتبار الأبعاد السياسية والإنسانية والاقتصادية والنضالية الفلسطينية فإن ما تقوم به إسرائيل حاليا يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة في وجه الدول المجاورة، وسترتاح أميركا لذلك فالغطاء الأميركي صهيوني النسيج. 
يريد نتنياهو أن يخرج إلى الإسرائيليين ليقول: لقد دمرنا غزة، وحافظنا على تشتت الفصائل وتشكيك العرب بعضهم في بعض، وضممنا الضفة الغربية، وضممنا الجولان وأغلقنا المعابر واحتللنا ممر فيلادلفيا ومعبر رفح وجوعنا الفلسطينيين وعطشناهم في غزة، ولم تتحرك السلطة أو أي دولة أو منظمة عربية، بل ولا تجرأ أحد حتى على  مقاضاتنا أمام المحاكم الدولية.»
 ومع هذا، نقول بثقة إن الصمود الوطني في فلسطين بكاملها سوف يفشل  المخططات الصهيونية مهما كانت مراوغات نتنياهو وسموتريتش وبن غفيري والصهيونية بكاملها، وأن الوعود الأميركية للعرب لا تعني شيئا أمام إسرائيل. فهل نشهد يقظة عربية وبرامج دعم تحركها الأحزاب والمنظمات الشعبية قبل فوات الأوان؟ تلك هي المسألة.