في يوم واحد، كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على منازل الفلسطينيين في غزة في حرب إبادة جماعية فقتلت 420 شخصا بينهم 260 طفلا و140 امرأة و20 مسناً، وقصفت جنوب لبنان فقتلت اثنين من اللبنانيين، وفي ذات اليوم قصفت مطار دمشق ومطار حلب واخرجتهما من الخدمة وقتلت 3 أشخاص، وكذلك قصفت معبر رفح وجرحت عدداً من الجنود المصريين على باب المعبر واغتالت 4 وأسرت 35 من شباب المقاومة في الضفة الغربية، وما يزال المشهد يتكرر دون توقف.الأمر الذي يفضح عدوانية إسرائيل العمياء تجاه الدول العربية.
وخلال أيام هرع رئيس وزراء بريطانيا الذي يرفض وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، ومستشار المانيا الذي يتهم حماس بالنازية، ليتبعهما فيما بعد رئيس فرنسا، ويسبقهم رئيس الولايات المتحدة الأميركية، مصحوبين بالاسلحة والأموال والمعدات والبوارج وحاملات الطائرات وقادة الجيوش والخبراء العسكريين والجنود، وجميعهم يتباكون بدموع التماسيح، ويعلنون تضامنهم مع إسرائيل. اما الخسائر والضحايا والشهداء الفلسطينيون الذين كانوا يتساقطون يوميا منذ 75 سنة فلا ذكرلهم. أما تدمير البيوت في الضفة الغربية، وهي أرض محتلة بالقانون الدولي وبقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها من المنظمات، وسلب المقدسيين مساكنهم، دون أي نشاط يذكر لحماس، ومصادرة الأراضي وتقطيع أوصال الضفة الغربية بـ 576 حاجزا، فهذه لا تعني شيئاً لأميركا وحلفائها. تماما كما كان قتل 1.3 مليون عراقي ونصف مليون أفغاني في الغزو الأميركي الأوروبي. اما ماكرون الذي قتلت بلاده 5 ملايين جزائري فقد دعا إلى تشكيل تحالف دولي ضد حماس دون أن تعنيه ما قامت به وما تزال تقوم به إسرائيل من إرهاب دولة وفظائع وجرائم ضد الإنسانية. وهذا يستدعي من كل عربي بل وكل مواطن في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية أن يدرك خطورة الوحشية الاستعمارية التي ما تزال متغلغلة في العقل الغربي الرسمي وازدواجية المعايير لدى أوروبا وأميركا.
ويبقى السؤال الكبير لماذا؟ هناك اسباب رئيسية خمسة لهذه الهرولة المسعورة الأول: ان إسرائيل ومن خلال دعم اللوبي الصهيوني ورقة انتخابية مهمة في أوروبا وأميركا. الثانية ان إسرائيل كمشروع استعماري غربي عملت على اقامته بكل الوسائل غير القانونية بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وهذه الدول وتبعتها المانيا حرصت على تزويد إسرائيل بالمال والتكنولوجيا والسلاح إضافة إلى التغطية عليها في المحافل الدولية من خلال استعمال حق الفيتو، إذا كان هناك ادانة لإسرائيل. وكانت فرنسا أول من زود إسرائيل بالتكنولوجيا النووية بانشاء مفاعل ديمونة عام 1958 الثالث: ان نجاح المقاومة الفلسطينية بمباغتة إسرائيل وتكبيدها خسائر غير مسبوقة بلغت حتى اليوم 1600 قتيل من مدنيين وعسكريين إضافة إلى 4000 من الجرحى و232 من الأسرى، وارتباك الجيش الإسرائيلي رغم ما لديه من تكنولوجيا ورغم محاصرة غزة منذ 16 عاما، هذا النجاح أحيا الأمل والثقة لدى الجماهير العربية الرافضة للعدوانية الإسرائيلية والإنحيازية الغربية بأنه بالإمكان ايقاع الهزائم بجيش الاحتلال، الذي أشاع الرعب لدى العرب بهزيمته لثلاثة جيوش عربية في حرب 1967. فجاءت عملية طوفان الأقصى لتكسر تلك الهالة الاسطورية الزائفة. الرابع أن الآمال التي استعادتها الجماهير العربية قد تكون بداية لربيع جديد يعيد للعمل المشترك والتضامن العربي جاذبيته التي خبت نتيجة للهزائم والاخفاقات المتتالية، ويدفع الى مزيد من التماسك والتكتل العربي، وهوما لا يريده المعسكر الغربي باعتباره، الأشد استغلالاً لموارد المنطقة اقتصاديا واستراتيجيا. ان استعادة المنطقة العربية الثقة البينية واستقرارها وخروجها من حالة التفكك والتبعثر والذي كان لإسرائيل وسيبقى دور كبير فيها، سوف يخرج المنطقة من التبعية غيرالمباشرة للدول الأجنبية وخاصة الدول الخمس. الخامس غياب الفعل العربي الجاد والإكتفاء بالكلاميات التقليدية.
لقد أصاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيوغوتيرش، رغم احتجاج إسرائيل، حين قال في مجلس الأمن في 24/10/2023 « ان الهجمات التي قامت بها حماس لم تأت من فراغ، ولكنها نتيجة احتلال دام 56 عاماً وان هذه الهجمات لا تبرر لإسرائيل القتل الجماعي الذي تواجهه غزة». وأضاف «لا بد من وقف اطلاق نار انساني في غزة» واعرب عن «قلقه العميق بسبب الانتهاكات الواضحة للقانون الانساني والدولي». هل يعقل ولما يزيد على 23 يوما أن يبقى قطاع غزة بسكانه الـ 2.3 مليون ومرافقه ومؤسساته تحت القصف الجوي والبري العنيف ويمنع عنه الماء والغذاء والدواء والوقود ويحاصر من البر والبحر والجوولا تتحرك دولة أومجموعة دول لمساعدته ولا الأمم المتحدة لوقف الهجوم والحصار؟
إن إسرائيل في حربها على قطاع غزة وما تقوم به من أعمال إجرامية يومية في الضفة الغربية ترتكب خمساً من الجرائم مكتملة الاركان من الناحية القانونية. الأولى: الإبادة الجماعية ممثلة بقطع المياه والغذاء والدواء والوقود عن القطاع لأن المتأثرين بهذا القرار هم كامل سكان القطاع من مختلف الاعمار الثانية: العقاب الجماعي والذي تمثله حملات تدمير المباني السكنية بشكل متواصل. الثالثة: التهجير القسرى حيث تجبر إسرائيل المواطنين في غزة على هجرة بيوتهم تحت التهديد بالموت. الرابعة: الاستهداف العشوائي للمدنيين من خلال القصف المتواصل على المناطق غير العسكرية. واستهداف المدارس والمستشفيات والمدنيين الذين التجأوا اليها. الخامسة: قتل الأسرى الفلسطينيين في الضفة الغربية والعقاب الجماعي من خلال تدمير منازل الشباب المقاومين للاحتلال.
لقد عبر الملك عبدالله الثاني بقوة ووضوح عن شناعة هذه الجرائم، وطالب بالوقف الفوري للحرب، وادخال المعونات الى غزة دون عوائق. وفي نفس الوقت نبّة العالم الى خطورة تفاقم الأوضاع في المنطقة بأسرها، وان «لا حل لهذه المأساة الا بالرجوع الى اصل المشكلة وهوحل القضية الففلسطينية واقامة الدول الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية». ولكن الغرب لا يريد للمنطقة ان تنعم بالاستقرار. وهنا على الدول العربية ان تخرج من ليونتها وتضغط بقوة على الدول الأوروبية الاربعة وأميركا وتستخدم كل الادوات الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والقانونية، والعلاقات مع الصين ومع روسيا ومع الدول الاسلامية والدول المؤيدة للحق الفلسطيني في هذا الضغط لتحقيق الأمن والإستقرار للجميع. ان قراءة المستقبل تبين بوضوح ان دول المنطقة مهددة بالتمدد الإسرائيلي تحت المظلة الغربية حتى لو بدا هذا التمدد ساكنا وناعما بين حين وآخر.