تزايدت ارقام البطالة سنة بعد سنة حتى وصل معدلها بين الأردنيين18.2% . وهي عند الشباب من 32 إلى 40% ولدى الإناث ضعف ما لدى الذكور. وهذا يعني أن لدينا حوالي 300 ألف عاطل أردني عن العمل في حين لدينا 1.2 مليون عامل وافد لم تحدد نسبة البطالة بينهم بعد . أما العاطلون عن العمل من الشباب فيتجاوز عددهم 250ألف شاب وشابة . وفي نفس الوقت نقرأ في الصحف أنه منذ بداية عام 2017 تم إغلاق 2012 شركة صناعية وحرفية برأسمال مقداره 202 مليون دينار، وقبل ذلك توقف أكثر من 1500 مصنع وشركة. يضاف إلى ذلك وجود العمالة السورية وانخراطها التدريجي الهادئ في سوق العمل ،ليس في مشاريع جددة ،وانما فيما هوقائم منها. كل ذلك مقابل أجور أقل، ومهارة أكثر تنوعاً ، واستعداداً أكبر للتأقلم في جميع مناطق المملكة . ويعلل أصحاب الشركات اغلاق مصانعهم بسبب 1- ارتفاع كلفة الطاقة 2-السلع المستوردة من كل بقاع العالم 3- المنافسة غير العادلة مع الدول بموجب اتفاقيات التجارة الحرة التي تم عقدها من منظور سياسي فقط بعيداً عن الرؤية الاقتصادية. 4-عدم وجود الأيدي العاملة الأردنية المدربة بما يكفي لسوق العمل .5-صعوبة الحصول على عمالة أجنبية 6- عدم مواءمة مهارات خريجي الجامعات لسوق العمل .هذا مع العلم أن هناك بطالة عالية في خريجي الجامعات تزيد عن 53% وتوسع في التعليم العالي في كل التخصصات.
مجموعة من المتناقضات الغريبة والمؤلمة تتجذر يوماً بعد يوم وتكشف :أولاً : غياب الرؤية الوطنية المستقرة للموضوع الاقتصادي وغياب الإستعداد للإفادة من تجارب الدول التي اجتازت هذه المشكلات مثل ماليزيا وسنغافورة وغيرها. وثانياً : عدم الاكتراث الجاد العملي بموضوع البطالة وخطورته على الأمن المجتمعي، واعتباره شيئا عاديا كفيلة بحله الأيام . وثالثاً : غياب التواصل والتشارك بين أطراف المعادلة وهم الحكومة والقطاع الخاص ومنظومة التعليم على الرغم من عشرات المؤتمرات والتقارير والتوصيات التي تؤكد على عبثية الإستمرار في سياسات الجزر المتباعدة . رابعاً : الانفصام المتعمق بين دوائر الدولة المختلفة لتتوصل إلى قرارات متوافقة مع متطلبات الاقتصاد من جهة ،والأمن المجتمعي من جهة ثانية ،وأساليب مواجهة البطالة والمراجعات التي ينبغي الدخول فيها من جهة ثالثة .كل ذلك رغم المطالبات الملكية والشعبية المتكررة بضرورة إصلاح الجهاز الإداري للدولة باتجاه الإنجاز وخدمة المواطن والوعي بمتطلبات المرحلة.
ففي الجانب السياسي كان ولا يزال من الضروري . أولاً :أن يكون تشغيل العمالة السورية مرتبطا بإنشاء مشاريع انتاجية جديدة يشارك فيها السوريون والأردنيون مناصفة حتى ولوكان ذلك على حساب بعض الخدمات . وكان ينبغي أن يتجه التركيز مع الدول المانحة إلى تكوين مراكز انتاجية متكاملة من خلال المشاريع الجديدة قبل أي شيء آخر . ثانياً : مراجعة اتفاقيات التجارية الحرة والمطالبة من بعض الدول تجميد الاتفاقية اوبعض بنودها لمدة 10 أو15 سنة حتى يتمكن الانتاج الأردني من التقاط الأنفاس .ثالثاً :أن تتضمن الاتفاقيات نصوصاً بحماية المنتجات المحلية الشعبية أوالناشئة أوالتي يعمل فيها لاجئون سوريون.
وفي الجانب الاقتصادي لا بد أن تدرك الدولة، ودون إضاعة للوقت والجهد أنه في غياب تصنيع القطاعات الاقتصادية وانشاء المشاريع الجديدة التي تولد فرص عمل إضافية لا طريق أبدا لحل مشكلة البطالة. وستتفاقم سنة بعد سنة في ظل فتح باب الاستيراد على مصراعيه، وفي الظروف الدولية الراهنة، وهيمنة الشركات الدولية العابرة للحدود، ومجاورة الأردن لعدد من البلدان التي تتوفر فيها فوائض ضخمة من الأموال . إذ إن كل ذلك ،دون سياسة وطنية مناسبة لن يسمح أبدا للانتاج الأردني والمشاريع الوطنية والمشاريع الصغيرة التي يجري تمويلها أن تتمكن وتتوسع وتنافس الأسعار الاغراقية من كل مكان .رابعاً :السير في برنامج تصنيع القطاعات الاقتصادية ووضع ضوابط للاستيراد لاتاحة الفرصة للصناعات الاحلالية أن تأخذ مكانها وتكون البدايات في المشاريع والمنتجات الأقل تعقيداً والأكثر ملائمة للانتاج المحلي وتبدأ في المناطق الأعلى بطالة وخاصة في المحافظات. خامساً:تكليف فريق عمل متخصص ومشترك لتحديد معالم سوق العمل الأردني ومتطلباته من المهارات العامة والتخصصية والمهنية في إطار زمني مدته 15 عاماً . هذا مع التأكيد أن سوق العمل المفتوح لكل أنواع الاستيراد من الخدمات إلى المنتجات الزراعية والصناعية إلى العمالة ،كما هوالسوق الأردني، هوسوق هلامي غير مؤهل للتوازن ولا المحافظة على خصائص مستقرة يمكن البناء عليها.
وفي الجانب التعليمي والتدريبي لا بد من اقامة الجسور بين التعليم والانتاج ولا بد من الاستثمار في التأهيل التكنولوجي المتقدم، والإنتهاء من مقولة عدم وجود عمالة أردنية عالية التدريب . وهذا يتطلب سادساً : إقامة مراكز تأهيل تكنولوجية متقدمة بالتعاون والتشارك بين القطاعات المتخصصة وبين التعليم العالي والتربية والتعليم والتدريب المهني. ولا يجوز أن تبقى القطاعات المتخصصة سواء كانت في الصناعة وعددها 16 أوفي الزراعة وعددها 8 أوالسياحة أوالشركات الكبرى وغيرها بعيدة عن المشاركة في وضع البرامج وإنشاء المراكز. ولعل اليابان وكوريا نماذج ناجحة ينبغي الاستفادة منها . سابعاً : إنشاء مجالس أعمال مشتركة بين كليات الجامعات وبين نظيراتها في القطاع الخاص، وبمشاركة هيئة الاعتماد، حتى تتمكن هذه الكليات من تطوير برامجها بالشكل الذي يتطلع اليه سوق العمل ، ودون عوائق من وزارة التعليم العالي.
وأخيراً فإن استمرار الحالة على ما هي عليه يحمل أخطاراً اقتصادية واجتماعية وسياسية بل وأمنية خطيرة .ولا بد من حل هذه الحزمة من المتناقضات التي مضى عليها سنوات دون أن تجد الفرصة لمعالجتها من أجل مستقبل أكثر ازدهاراً، ومجتمع أكثر استقراراً ومهارة وأمناً .