بتجديد دعوته لتحفيز الاستثمار يكون الملك نبه لهذه المسألة الحيوية مرات و مرات خلال السنوات القليلة الماضية، وللمرة الثالثة خلال أقل من (6) أشهر. وتتم الإشادة فوراً بدعوة جلالته وحرصه واهتمامه، ولكن خلال أيام تعود الأمور لما كانت عليه: “غياب البوصلة الاقتصادية وعدم السير في تنفيذ أي برنامج على الأرض”. ناهيك عن عدم الاستعانة بالخبراء والشركاء من القطاع الخاص والأهلي والأكاديمي للمساعدة في تطوير الأفكار والبرامج . وفي أحسن الأحوال يصدر عن الحكومة تصريح “ بأنها بصدد التفكير بدراسة” كذا وكذا. هل يعقل أن الأردن بما لديه من خبرات ومتعلمين وعلاقات وانفتاح على دول العالم وأعلى نسبة مهندسين في العالم ، و أعلى نسبة طلاب جامعيين في المنطقة، لازال حتى الآن لا يجد طريقه إلى تطوير الاقتصاد وبناء أعمدته الرئيسة وهي: الاستثمار والتصنيع والقوى العاملة المؤهلة، ولا يجد طريقه إلى مواجهة البطالة، وأعمدة المواجهة هي الاستثمار في المشاريع الإنتاجية و تأهيل القوى العاملة ومهارات الأعمال والريادية، هل يعقل أن تصل مستوردات الأردن إلى (16) مليار دينار والبطالة إلى (13%) وهو لا يجد وسيلة لمواجهة هذا الموقف على الأقل من خلال برنامج و طني سريع للصناعات الإحلالية التي يمكن أن تولد عشرات الآلاف من فرص العمل؟ هل يعقل أن يستمر المستثمرون بالشكوى سراً وعلناً من البيروقراطية، والضغوطات التي تصل أحياناً إلى حد الابتزاز بالعمولات على مستويات مختلفة، والسمسرات التي شاهد جزءا منها رئيس الوزراء في دائرة الأراضي؟ هل يعقل أن تستمر الإدارات بكبار وصغار موظفيها تنظر إلى المستثمر نظرة توجس وتشكك وعداء، وفي أحسن الأحوال نظرة عدم اكتراث ؟ هل يعقل أن لا تكون المشاريع المطلوب الاستثمار فيها وفق خطة اقتصادية واضحة متماسكة، جاهزة ومعلنة في مجموعات عنقودية تضم المشاريع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة؟،، تقوم على تصنيع الاقتصاد والاقتصاد الاجتماعي، و الانتشار في المحافظات، وتأخذ الحكومة والقطاع الأهلي زمام المبادرة ؟ هل يعقل أن الحكومة لا تدرك بطء الإجراءات القانونية وخاصة بطء التقاضي، وهو الأمر الذي يخشاه أي مستثمر؟ هل تتوقع الحكومة أن يتغير كل هذا تلقائياً ؟ وبمجرد أن يصدر الوزير تعميما بذلك؟ أين برامج التدريب والتأهيل لمتوسطي وصغار الموظفين، الذي يستطيع الواحد منهم أن يعطل استثماراً كبيراً لأسابيع أو أشهر ؟ أين مؤشرات الأداء المعلنة في تحفيز الإستثمار لكل مؤسسة لها علاقة بالاقتصاد والاستثمار؟ أين الدور المبرمج وعمل الفريق لكل مؤسسة؟ إن ما كان يمكن السكوت عليه في الماضي استناداً إلى إمكانية المساعدات من هنا وهناك، لم يعد ممكناً. فالمنطقة في حالة فوضى قد تستمر لفترة طويلة. منذ سنوات والمواطن يسمع عن خطط ودراسات ولقاءات واجتماعات ومنتديات اقتصادية عالمية ولقاءات مع كبار الاقتصاديين في العالم، وغير ذلك الكثير، ومع ذلك لا يجد على الأرض شيئاً يتحقق إلا في حدود متواضعة. ويبدو أن شأننا شأن العرب التقليدي : عشق الكلام وكره العمل. فيمضي الوقت في الحديث عن الاقتصاد والتغني بأوصافه دون أن نحمل على كاهلنا عبء العمل و مشقة التغيير .فلم تنشأ شركة إنتاجية كبرى واحدة خلال سنوات، ولا مجموعة من الصناعات الجديدة ولا تنمية حقيقية في محافظة واحدة.لماذا ؟ لم يشهد المواطن إلا استثمارات في العقار والمال، وهذه لا تصنع اقتصاداً حقيقياً ولا تولد فرص عمل، ولا تعمر الأرياف والبوادي ،ولا تقلص من جيوب الفقر. وفي نفس الوقت فإن الاستيراد يتصاعد سنة بعد سنة والاعتماد على المستوردات يزداد يوماً بعد يوم حتى وصل في الغذاء إلى 87%. هل هي غياب رؤية أم غياب خطة؟ أم غياب إرادة؟ أم غياب الاستعداد للعمل الفوري ولمواجهة متطلبات المرحلة؟ إن الحكومة مدعوة لأن تأخذ الموضوع بشكل جاد وحازم و ناجز، وأن تستعين بالشركاء والخبراء، وأن تعتبر نفسها في حالة طوارئ إقتصادية إدارية حتى تحدث تغييراً حقيقياً على الأرض، وتعود ثقة المواطن والمستثمر على حد سواء . فالكلام الجميل والوعود المعسولة لا تسمعها آذان المستثمرين أبدا. لماذا لا تكون هناك لقاءات دورية منتظمة بين ممثلي الأعمال والاستثمار وبين رئيس الوزراء مع خبرائه ومستشاريه، كما هي الحال في ماليزيا وفي اليابان مثلا ؟ ولقاءات دورية مع كل مسئول وشركائه من القطاع الخاص والأهلي ؟ لماذا لا يتم تشكيل لجان لوضع حلول للمشكلات القديمة والطارئة مثل: الشركات المتعثرة والمصانع التي على وشك الإغلاق فلم تجدد ترخيصاتها وهي بالمئات، وإغلاق الحدود العراقية ؟ عشرات الأسئلة يجدها المستثمر والمواطن معلقة، وعشرات أخرى يعيد الخبراء والباحثون طرحها دون كلل أو ملل حتى تستجيب الحكومة. ولكن هناك الأجوبة العملية على كل سؤال لمن يريد أن يعمل. فالعالم مليء بالتجارب الناجحة . فهل حقيقة يهمنا المستقبل لنعمل من أجله بكامل إمكاناتنا وبالسرعة الناجزة ؟؟؟ .