تمر الشهور والأعوام، و تجتمع الدول و المنظمات،و تلتئم الأحلاف و التجمعات،و تغير الطائرات و الدبابات ، و لا زالت الحركات المتطرفة بأفكارها و إرهابها تلعب أدوارا بارزة في الساحة العربية.و لا زالت المجتمعات المسلمة منقسمة على نفسها بالسر والعلن . و في كل حادثة إرهابية للجماعات الإسلامية المتطرفة يسارع الكثيرون إلى القول: “ إن الإسلام براء من كل ذلك “ . هذا صحيح قطعا. ولكن العالم لا يتعامل مع “ الإسلام” الدين النقي الإنساني، وإنما يتعامل مع المسلمين بكل ما يحملون ديانتهم من أعباء. و يحكم على الأحداث من خلال أفعال وأقوال وأفكار المسلمين أفراداً أو جماعات، أحزابا أو تنظيمات. وما يجدد مخاوف العالم أن مرتكبي الإرهاب والتطرف و الجرائم البشعة ضد البشر والشجر والحجر، يفعلون ذلك بإسم الإسلام، وحسب زعمهم و إعلامهم تنفيذا لتعاليمه. ومن جهة ثانية فإن الجماعات والأحزاب و المؤسسات الإسلامية “المعتدلة “ تتردد إلى درجة الامتناع عن إدانة المنظمات الإرهابية بممارساتها و أ فكارها و مصادرها و مراجعها ،إلا حين يصل إليها الأذى مباشرة. وفي نفس الوقت فإنها ترفض أن تجري مراجعات علنية جريئة لأفكارها حتى لا يقع منتسبوها في شرك التطرف من جهة، وحتى يقتنع الجمهور العربي و الأجنبي بأن التطرف ليس من الإسلام قولاً وعملاً وفكرا وكتبا و مراجع . فالعمليات الإرهابية والفتاوى و الأفكار المتطرفة تثير أسئلة تتعلق بالوطن والقانون والدستور والمرأة و الجهاد والاستشهاد والتكفير وحكم الله وأهل الذمة والجزية وسبيل الله والحدود والخلافة و الفرق الإسلامية والآثار والتماثيل و الفنون وغير ذلك الكثير،و هذه ينبغي مواجهتها من المسلمين ومن مؤسساتهم الدينية ، و من الأحزاب والتنظيمات الإسلامية المعتدلة بلغة واضحة.هل ما يفهمه العامة من هذه المصطلحات هو نفس ما يفهمه العلماء المستنيرون ويقوم على أساسيات الحياة المعاصرة، وبما هو سائد في العصر الحديث ؟ أم يشيع المتطرفون شيئا مختلفا تماما، يمثل فهمهم لما كان قائماً عند القلة قبل ألف عام ؟
الإسلام كدين، لا يتحرك على الأرض بذاته ليصل إلى أمم العالم ، و إنما يصل من خلال من ينتسبون إليه و حسب سلوكياتهم. والإسلام لا يصطدم مع العقل أو الإنسانية ، ولكن الكثير من المسلمين يصدمون العقل والإنسانية بما يفعلون. و خلال العقود الماضية ازداد الفساد والمحسوبية والتخلف و التطرف والإجرام والتدمير والانقسام والاقتتال بين المسلمين أنفسهم. وازدادت شعوب أخرى كثيرة توحداً وتماسكاً وتقدماً ورقياً .
أن يذبح شاب مسلم مديره في المصنع في فرنسا، ويفجر شاب مسلم مسجداً في الكويت، و آخر في السعودية، وينسف شاب مسلم آخر فندقاً في تونس، وآخرون يدمرون متاحف في تدمر و العراق ومحطات قطار و أبراج كهرباء في مصر،وآخرون يقتلون 142 من الأبرياء في ملعب و مسرح في باريس وغير ذلك الكثير، كل ذلك تحت إسم الإسلام ، فهذا تراجع لم يكن يتخيله أحد. لماذا ؟؟ لأن عقول الشباب المرتكبين لهذه الفظائع، قد تم غسلها، ليعاد ملؤها بالإغراءات و الفتاوى المتطرفة التي لم تجد جرأة و إجماعا من العلماء و المؤسسات، في وقت مبكر و حتى الآن، على رفضها سراً وجهرا، و إعلان بطلانها، و حذفها من الكتب و المقررات و إغلاق أبواب التاريخ عليها. ولم ترفضها الأحزاب والجماعات في أدبياتها وتعاليمها و نشراتها وكتبها المؤسسية والتعليمية والحزبية. بل أن هذه الفتاوي وجدت طريقها إلى عقول الناشئة من خلال الكتب والإعلام و الثقافة الجماهيرية والتوجيه الخفي و الأموال و المنشورات و الإعلام و “الدعاة” و وسائط التواصل الإجتماعي .
كيف يستطيع العالم أن يتعامل مع المسلمين بثقة و اطمئنان، وهم لم يحدثوا حتى اليوم أي تغيير حقيقي لا في الفكر و لا في السلوك؟.. المسلمون يستنكرون الحدث فقط وبكل تردد وتلكؤ، ولكنهم لا يرفضون الفكر والفتوى وراء الحدث. و عند الحديث عن التجديد يقولون “ نعم أن الأحكام تتغير بتغير الزمان”، . حسنا. لماذا لا يقوم أهل الإعتدال أنفسهم بتغيير الأحكام والفتاوى وقد تغير الزمان ألف مرة عن ما كان في زمن الأئمة الأربعة؟ لماذا لا تكون الجرأة عند الإسلاميين المعاصرين فيعطوا المسلمين و العالم تعريفات وأحكاما جديدة تتوافق مع الوطنية والمواطنة والقانون الوطني و الدولي والإنساني،و غير ذلك الكثير ؟
وهكذا، بين إدارات حكومية متلكئة في الإصلاح الشامل الناجز، ومؤسسات مترددة في التجديد ، و زعامات تراهن على أوطانها،ودوائر دولية و أولها إسرائيل توظف التراجع العربي لمصالحها، و جماعات متطرفة تستمتع بالسيطرة و الجبروت، بين هذا و ذاك ،تضيع الشعوب والدول، ويتهاوى المستقبل ، وتزداد كراهية العالم للمسلمين. فهل يشهد عام 2016 بداية التغيير العميق في الفكر و السلوك، فتكون البراءة الحقيقية؟ و يكون الخلاص؟