أكدت وزارة المياه والري ،”أن محادثات اردنية اسرائيلية تدور منذ فترة حول طلب الأردن تزويدها بمياه من اسرائيل، استجابة لزيادة الضغط الكبير على مصادر المياه المتاحة. حيث يتوقع أن يصل العجز المائي لدينا لأغراض الشرب خلال موسم الصيف المقبل بين 12 الى 15 مليون متر مكعب. وبافتراض نصيب الفرد من مياه الشرب 30 مترا مكعبا في السنة فإن هذه الكمية (15 مليونا) تغذي احتياجات ما يزيد على 500 ألف نسمة”.
وكان قد صدر قبل فترة قصيرة، تقرير من مؤسسة دولية متخصصة في قطاع المياه، نشره المنتدى الاقتصادي العالمي ،” أن الأردن من بين الدول التي يتوقع ان تواجه عجزاً خطيراً بوضع المياه بحلول العام 2025 ،حيث يتوقع ان يتجاوز العجز 40 %. وفي دراسة علمية اجرتها وزارة المياه والري منذ سنوات بالتعاون مع جامعة ستانفورد ومعاهد بحث المانية تبين ان التغيير المناخي له انعكاسات بتخفيض الامطار، مما يشكل تهديداً للأمن المائي واستدامة التنمية”.
.هل يعقل أن تقف الاردن امام المياه دون أي استراتيجية وطنية واقعية بعيدة المدى عمادها زيادة مصادر المياه مهما كان حجم الزيادة؟ ويتم من خلالها تنفيذ برامج تعطى البلاد الاستقلالية المائية التي تستحق؟ لقد اخذت جميع دول العالم تحلية المياه مأخذ الجد حيث لجأت إليها 120 دولة، ابتداء من اميركا وإسبانيا، مرورا بالسعودية وعمان، وانتهاء باليونان وقبرص. وتم تنفيذ مئات المشاريع، حتى حين كانت الطاقة عالية الكلفة. واليوم نلاحظ أن 50 % من تحلية المياه في العالم تتم في المنطقة العربية، في السعودية والخليج بشكل رئيس. فلماذا لا نأخذ تحلية المياه بالطاقة الشمسية مأخذ الجد؟ علماً أن التحلية هي المخرج الأساس بل الوحيد من الأزمة. ولماذا نتعلق بالمشاريع الضخمة التي يصعب تمويلها؟ ولا نلجأ الى المشاريع المتوسطة والصغيرة؟ إن محطة تحلية مياه بالطاقة الشمسية لـ15 مليون متر مكعب سنوياً لا تزيد كلفتها الكاملة على 50 مليون دينار، وكلفة المتر المكعب لا تتعدى ديناراً واحداً، علماً أن لدى اسرائيل 6 محطات لتحلية المياه تنتج 580 مليون متر مكعب سنوياً أو ما يعادل 50 % من كامل استهلاك الأردن من المياه. يضاف الى ذلك ان هناك ناقل مياه من الديسي الى عمان وبالتالي فإن نقل المياه من محطات التحلية في خليج العقبة، تتطلب خطاً اضافياً غير باهظ الكلفة، لمسافة قصيرة لا تتعدى 50 الى 70 كم.
سنوات وسنوات والخبراء يطالبون ألا ننتظر الحلول الخارجية الاقليمية. فكما لم تصل الصراعات السياسية في المنطقة الى نهايات حاسمة، فإن مشاريع إقليمية كبيرة لن تتحقق. ولا ينبغي أن ننتظر الحلول الشاملة في المياه، فهذه عالية الكلفة اقتصاديا وسياسياً واجتماعياً، ولا يتوقع أن تتحقق ما دامت المنطقة في اضطراب. يضاف الى ذلك ان جميع الدول من حولنا تعاني من ازمات مياه بدرجات متفاوتة. لماذا لا نأخذ مسار الحلول التراكمية كما تفعل الدول الأخرى؟ الاستمطار لدينا “غائب”، والسدود الترابية والصغيرة “ضئيلة”، وتحلية المياه في محطات صغيرة ومتوسطة “متجاهلة تماماً”، واعادة تصميم المرافق المائية في المنازل “لا يلتفت اليه أحد”، وتوليد الماء من الهواء لإغاثة الأماكن المعزولة “مهمل” ، والوصول إلى سلالات نباتية وحيوانية عالية التحمل للحرارة والجفاف “يسير ببطء”، وتحويل محطات ضخ المياه الى الطاقة الشمسية “موضوع مباحثات”، وتخفيض 40 % من فاقد المياه الى 20 % او 15 % “بعيد المنال”، والقائمة لا تنتهي….
كانت كلفة الطاقة في الماضي، ومنذ العام 1980، حجة لعدم الذهاب الى التحلية، واليوم اصبحت الطاقة الشمسية متاحة بكلفة لا تذكر.. ماذا ننتظر؟ أما آن لنا ان ندرك بشكل قاطع، انه لا حل لمشكلة المياه لدينا الا من خلال التحلية واعادة التدوير والحلول الصغيرة الأخرى؟ إن المنطقة ليس فيها انهار ولا بحيرات، والتغيرات المناخية تذهب بالمنطقة باتجاه مزيداً من الجفاف والحرارة، وليس هناك من حلول سحرية، فهل ننتبه قبل ان نصبح اسرى العطش أو اسرى لغيرنا؟ نجتهد لنبني كل اجزاء البنية التحتية، بما فيها الطرق والمطارات، والمباني الحكومية والباص السريع، بمئات الملايين من الدنانير. وعند محطة لتحلية المياه بكلفة 150 مليون دينار نقف لا نفعل شيئاً، رغم ان موازنة الحكومة 9000 مليون دينار، واجزاء من المنحة الخليجية توقفت حتى نقدم لها مشاريع.
إن الجميع يقدر الجهود الطيبة التي تبذلها وزارة المياه وسلطة المياه ووزارة الزراعة والأشغال، وكل من يعمل في القطاع، إلا ان القرار الاستراتيجي، قرار دولة ينبغي التحرك باتجاهه في اسرع وقت. وحسب الأرقام الدولية فإن العجز المائي لدينا متوقع ان يصل الى 80 % العام 2040 فهل سننتظر لنأخذ الماء من اسرائيل والتي ستكون تعاني عجزاً مائيا أيضاً؟
أن الأمر يثير العديد من الأسئلة: هل يمكن الاطمئنان الى اسرائيل في تزويد الأردن بالمياه؟ دون ضغوط بطيئة وتدريجية تصل الى حد الابتزاز؟ ما ضخامة القوة غير المباشرة التي ستكون لدى اسرائيل حين يكون بيدها سلاح الطاقة المتمثل بالغاز، وسلاح مياه الشرب، وكلاهما قادمان من اسرائيل؟
صحيح أن معاهدة السلام وضعت حداً لحالة الحرب بين البلدين، إلا أن السياسة الاسرائيلية ما تزال تعمل بما يناقض معاهدة السلام، وما تزال تحاول ايذاء المصالح الاردنية باستمرار، وتعتمد اساليب الخداع وشراء الوقت والتدرج. وكان من المفترض ومنذ العام 1994 العمل على قناة البحرين (البحر الأحمر – البحر الميت) كمشروع مشترك بين الأردن وفلسطين وإسرائيل، إلا أن اسرائيل لم تكن صادقة ولا جادة، فماطلت سنوات ثم انسحبت. وما تزال حتى اليوم تعيق مشروع الناقل الوطني من البحر الأحمر الى البحر الميت في داخل الاراضي الأردنية. اسرائيل يمكن ان تعطينا المياه لمدة سنة أو سنتين أو حتى 5 سنوات، بهدوء وسكينة، وبعد ذلك تأخذ بقبض الثمن من خلال الابتزاز. وهل 15 مليون متر مكعب ستبقى على ما هي عليه ام أنها ستصبح غير كافية بعد سنة أو سنتين أو ثلاثة؟ وستحتاج الى 30 و50 مليون متر مكعب؟
إن خطورة المياه للسنوات القادمة تستدعي تحركا وطنيا مسؤولاً لاستخدام كل التكنولوجيات المتاحة لتوليد وحفظ المياه، وتشمل، مرة ثانية وثالثة، تحلية المياه وتنقيه المياه المستعملة، والسدود والحفائر والخزانات والآبار، وتوليد المياه من الهواء والاستمطار، واعادة تصميم المرافق والأنظمة والمعدات المائية وحسن الادارة.
ما الذي يمنع أن يجرى التخطيط لمحطة تحلية مياه استطاعة 300 مليون متر مكعب سنوياً وعلى 5 مراحل وبكلفة كلية لا تتعدى 1000 مليون دينار. ان تمويل مثل هذه المحطات ليس بالأمر الصعب، خاصة وأنها تعزز استقلالية الأمن المائي، وتصون السياسة الاردنية من غدر وابتزازات نتنياهو، والمؤسسة الصهيونية بكاملها، والتي بينت الأيام الماضية تلك النوايا الخبيثة التي يضمرها الكيان الصهيوني ضد الأردن.
إن الأمن المائي أخطر من اي أمن آخر، والحلول موجودة. فهل ندرك خطورة المسألة؟ انها مياه. انها مستقبل كل شيء، الصناعة والزراعة، والغذاء، والسياحة، بل.. والانسان.