المناطق الصناعية والنهوض بالمحافظات

عملت الإدارات الحكومية المتعاقبة على إنشاء مناطق صناعية في معظم محافظات المملكة ان لم يكن فيها جميعها. وكان الهدف وما يزال جذب المستثمرين إلى الاستثمار في تلك المناطق بكل ما يتوفر فيها من خدمات أساسها التزويد بالكهرباء والماء والأسعار المخفضة للأراضي، لكي ينعكس كل ذلك إيجابيا أولا على المشاريع، وثانيا على المحافظة، ويوفر فرص عمل ملائمة لبناتها وأبنائها، وثالثا يحدث التغييرات الاقتصادية المأمولة في المحافظة، والتي يعززها انطلاق عدد من المبادرات الملكية بإنشاء مشاريع إنتاجية في المحافظات. ولم يتأخر رئيس الوزراء د. جعفر حسان في زيارة عدد من هذه المناطق الصناعية، وتحريك مجلس الوزراء لاتخاذ قرارات لصالح المستثمرين في تلك المناطق التي لم تنجح في تقديم حوافز بما يكفي باحتياجات المستثمرين 
وتوقعاتهم وفي مقدمة تلك القرارات الإعفاء من أثمان الطاقة لمدة 3 سنوات وتخفيض سعر الأراضي بعد زيارة مجلس الوزراء لمحافظة الطفيلة مؤخرا.
وبنظرة متفحصة إلى الواقع نلاحظ أن عددا من المناطق الصناعية في الجنوب وكذلك الشمال في جرش وعجلون لم تكن جاذبة للمستثمرين بما يكفي، رغم مضي عشر سنوات أو عشرين سنة على إنشائها. وهنا آن الآوان للحكومة أن تبحث بعمق في الأسباب التي تجعل المناطق الصناعية في المحافظات ضعيفة الجاذبية للمستثمر المحلي والمستثمر الأجنبي، خاصة وأن معظم المحافظات باستثناء العاصمة والزرقاء وإربد والعقبة، تعاني من ارتفاع نسبة البطالة، حيث وصلت البطالة في معان والمفرق لعام 2024 ما معدله 23.2 % وفي محافظة عجلون 23 % في حين أن المعدل العام لدينا هو 21.4 %، وهو مرتفع تماما ويساوي ضعف المعدل العربي للبطالة، وثلاثة أضعاف ونصف المعدل العالمي.
وعند الحديث عن المناطق الصناعية غالبا ما يتم التركيز على الطاقة باعتبارها أحد العوامل الرئيسية في ارتفاع كلف الإنتاج، وغالباً ان لم يكن دائما يسقط موضوع النقل من الاهتمام، وهو موضوع بالغ الأهمية ليس فقط من حيث الكلفة المرتفعة ولكن أيضا من حيث الانتظام والموثوقية والاعتمادية للأفراد وللبضائع وللمواقيت.
وهنا يمكن الإشارة إلى بعض النقاط الرئيسية على النحو التالي:
اولاً: إن الحوافز للمستثمرين في المدن والمناطق الصناعية لا تجدي ولا تجذب أحدا حين تعطى بالتجزئة وببطء وقطعة قطعة كما يقولون. إذ لا بد من وضع حزمة متكاملة متماسكة من الحوافز مقنعة للمستثمر ومطمئنة له على عمر المشروع، وتراعي طبيعة المنطقة وظروفها التشغيلية واللوجستية والجغرافية، إضافة إلى الحوافز الاستثمارية العامة، وبالتالي تساعد فعلا في مجملها على تخفيض كلفة الاستثمار والإنتاج بشكل جوهري وليس هامشيا.
ثانياً: إن المصانع لا يتوقع أن تنتشر في المحافظات إذا لم تكن هناك منظومة نقل عام مستقرة في الأنماط والتكاليف والفترات الزمنية، تربط هذه المصانع بالمدن الرئيسية والبلدات المجاورة. 
ثالثاً: إن النقل الفردي بالسيارات سواء للأشخاص أو البضائع أو المحروقات لا يشجع ابداً المستثمر على اختيار المنطقة الصناعية المنشودة سواء في عجلون أو الطفيلة أو الكرك أوغيرها. ومن هنا فإن ربط المملكة بشبكة سكة حديد وطنية قد لا تتعدى كلفتها 6 مليارات دولار(مقابل أكثر من 700 مليون دولار خسائر سنوية غير منظورة للنقل على الطرق) ويمكن إنجازها خلال 3 سنوات يمثل المدخل الصحيح بل العمود الفقري في تشغيل ونجاح المناطق الصناعية في المحافظات، وفي ربط الأردن بأوروبا عبر سورية وتركيا، 
وجعل الأردن مركزا لوجستيا للمنطقة، وفي تمكين العمال من أبناء وبنات المحافظة وخارجها من الالتحاق بفرص العمل الجديدة، دون أن يهجروا قراهم وبلداتهم وبالتالي سوف يتراجع الاحتياج إلى دخول العمالة الوافدة.
رابعاً: ليس هناك من بلد متقدم أو تزدهر فيه المشاريع الإنتاجية بشكل مطرد إلا وتكون شبكة السكة الحديد الوطنية هي العمود الفقري لذلك، ابتداء من الصين وأميركا بضخامتهما، مروراً بأوروبا بتشبيكاتها المعقدة، وانتهاء بكينيا في أفريقيا واليونان على صغرها (3000كم سكة حديد) وتونس وحتى قبرص وسنغافورة. 
خامساً: إن مبادرة صندوق الاستثمار في مؤسسة الضمان الاجتماعي وغيره من المؤسسات المالية الرسمية وشبه الرسمية لأخذ زمام المبادرة والمشاركة في إنشاء مشاريع إنتاجية جديدة في المحافظات أو اقامتها بالشراكة مع الجمهور من خلال شركات مساهمة عامة، من شأن ذلك أن يشجع المستثمرين وان يعطي للمدن الصناعية قوة وجاذبية.
سادساً: من المفيد جدا، بل الضروري الاطلاع على تجارب الدول الناجحة في تشغيل مدن صناعية في المحافظات بعيدا عن العاصمة والمدن الكبرى، ومن ثم وضع وتنفيذ البرامج التي يمكن أن تساعد على تطوير مدننا الصناعية بشكل حاسم، وليس فقط عند الزيارات الملكية بكل أهميتها، أو حسب ظروف الزيارات الرسمية للمناطق ولا حسب التفاوض مع هذه الشركة أو تلك.
وأخيراً فإن المناطق الصناعية النشطة في المحافظات ينبغي النظر اليها كواحد من المحركات الرئيسية للتنمية في كل محافظة، وان تخفيض كلفة الاستثمار وكلفة الإنتاج في جميع المناطق بهدف تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الأردنية هو المحرك الثاني. اما المحرك الثالث الذي يمكن أن يحدث تغييرات اقتصادية اجتماعية حقيقية فهي الخط الوطني للسكة الحديد بعيدا عن انتظار المشاريع الإقليمية. وعلى مجالس المحافظات بالتشارك مع الخبراء 
والجامعات العمل على وضع الاقتراحات والحلول للمشكلات. فهل تعيد مؤسساتنا الرسمية وشبه الرسمية النظر في هذه المحركات الثلاث مع مبادرات وشراكات من البنوك والمؤسسات المالية والشركات الكبيرة؟ تلك هي المسألة التي تأخرت الاستجابة لها سنوات.