خلال مؤتمر “المشروعات الصغيرة والمتوسطة وبرامج ضمان القروض” الذي انعقد يوم الثلاثاء 24/11، أشار رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور إلى الدور الحيوي لهذه المشاريع، والى حرص الحكومة على توفير التمويل اللازم لها. كما أكد أن توجه الحكومة من خلال الرؤية العشرية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة والتي ستعلن في نهاية العام الحالي سيكون اعطاء المشاريع الصغيرة المتوسطة اهمية خاصة. وهنا لا بد من الاشارة الى عدد من المسائل الجوهرية حتى يمكن لهذه المشاريع ان تكون جزءا فاعلا في المنظومة الاقتصادية الاجتماعية الوطنية، وحتى تكون قادرة على الاستمرار والتنامي، خاصة و أن الموضوع يعود إلى سنوات عديدة ماضية دون إحراز تقدم نوعي حاسم ،و أن أكثر من 85% من الشركات المسجلة هي مشاريع صغيرة و متوسطة. أولا: تأهيل أصحاب المشاريع.وهذا يتطلب أن تكون هناك مؤسسة وطنية مستقرة مستقلة و متخصصة لها فروع منتشرة في المحافظات، تتولى تأهيل المقدمين على مشاريع و أصحاب المشاريع الجديدة، وخاصة الشباب،و ذلك من خلال برامج مرنة تتناول الجوانب الإدارية والمالية والتسويقية والقانونية وبعض الابعاد الفنية للمشاريع . وهنا يمكن لهذه المؤسسة أن تتعاون مع الجامعات و مؤسسة التدريب المهني و وزارة التربية والتعليم و منظمات المجتمع المدني لتكون “المرافق التابعة لها مواقع للتدريب و التأهيل للمشاريع الجديدة “. ويمكن تمويل برامج التأهيل جزئيا من خلال مساهمة الشركات كجزء من مسؤوليتها المجتمعية. ثانيا: من العشوائية إلى البرمجة. هناك فرق كبير بين ان تكون المشاريع الصغيرة والمتوسطة والريادية مشاريع عشوائية ينتقيها اصحابها حسب ما يبدو لهم، وبين أن تكون هناك وفي كل محافظة مجموعات معينة من المشاريع تحددها الحكومة على أسس إقتصادية حصيفة، و”تشجع” أصحاب المشاريع على الدخول فيها. ان نسبة المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تتجه نحو التجارة مثلا تزيد عن 86% من مجمل المشاريع، بينما لا تتعدى المشاريع الانتاجية 14% . وهذا مؤشر يتطلب التصحيح. ذلك ان المشاريع التجارية غالبا ما لا تضيف الى الاقتصاد شيئا جديدا، وغالبا ما لا ينبثق عنها فرص عمل جديدة إلا في حدود ضيقة، وهي المسألة الاكثر الحاحا في المجتمع الأردني. و بذلك فقط يمكن للمشاريع الصغيرة و المبادرات الريادية أن تصبح جزءا أساسيا من تنمية المحافظات. ومن هنا فإنه يمكن لوزارة التخطيط و من خلال فريق متخصص و بالتعاون مع الوزارات الاخرى وغرف الصناعة والتجارة وضع “دليل المشاريع الصغيرة والمتوسطة” لكل محافظة. يتم فيه وضع معلومات وتوجهات نحو المشاريع الإنتاجية، والمساحات المفضلة من منظور إقتصاد المحافظة و الاقتصاد الوطني الكلي. ثالثا: المشاريع الكبيرة: ان تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يبادر فيها الأفراد، لا ينبغي ان يحجب اهمية المشاريع الكبيرة. صحيح أن المشاريع الصغيرة توظف اكثر من 65% من القوى العاملة في انحاء كثيرة من العالم، ولكن المشاريع الكبيرة هي القاطرة التي تنقل المشاريع الصغيرة من مستويات متواضعة إلى مستويات تكنولوجية وإنتاجية متقدمة و ذات قيمة مضافة عالية. وهذا يتطلب من الحكومة وضع الحلول للشركات المتعثرة، حتى تستعيد قدراتها على العمل بدلا من ان تكون جزءا متعطلا في جسم الاقتصاد الوطني، كما يتطلب المساهمة في انشاء المشاريع الكبيرة الجديدة كشركات مساهمة عامة، تستخدم التكنولوجيا المتقدمة وتتولد عنها الحاجة لصناعات صغيرة ومتوسطة في مراحل مختلفة من الانتاج. رابعا: بنك التنمية الصناعية: رغم الحديث عن توفير التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلا أن الواقع العملي يختلف عن ذلك. فأصحاب المشاريع الصغيرة يدفعون مقابل القروض فوائد مرتفعة تتعدى 10% وقد تصل الى 18% في بعض المشاريع. ودون ان يكون هناك بنك للتنمية الصناعية وآخر لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة على غرار التجارب الناجحة في الهند وبنغلادش و الأرجنتين والبرازيل، و غيرها، فإن تمويل المشاريع الجديدة سيكون عقبة حقيقية . خاصة وان هذه المشاريع عرضة للانهيار او الانتهاء خلال فترة قصيرة، إذا لم تتوفر لها الرعاية والحماية و الخبرة والتأهيل الكافي لأصحابها، او اذا كانت مجرد تكرار للمشاريع التي يقوم بها الاخرون في نفس الموقع. خامساً: الشركات القابضة والتعاونيات.من غير المتوقع ابدا ان تأخذ المشاريع الصغيرة والمتوسطة دورها الاقتصادي الاجتماعي اذا لم تكن هناك مؤسسات اخرى تساندها وخاصة بالنسبة للمشاريع الانتاجية في المحافظات. ومن هنا فإن تكوين شركات قابضة وتعاونيات في المحافظات تأخذ دورها في دعم ومساندة ومشاركة وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، جزئيا أو رمزيا يصبح ضروريا، إذا أردنا لهذه المشاريع ان تتقوى وتتطور. و تستطيع الشركات القابضة والتعاونيات أن تقدم الدعم التكنولوجي من خلال إمكاناتها الواسعة.و هذه مبادرات تقع مسؤوليتها على الدولة والمؤسسات الرسمية التابعة لها. إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الريادية، التي تقوم على الابداع والتجديد هي العمود الفقري لأي اقتصاد ناهض. وهي المجال الرئيسي لتنمية المحافظات و للحد من البطالة و لتوظيف القوى العاملة بعد ان تشبعت اجهزة الدولة بما لديها من القوى العاملة تعدت نسبة 42%. ولكن هذه المشاريع لا ينبغي أن تسبح في فضاء المجهول، أو الخيارات الفردية البسيطة ،أو تكون مجرد تكرار لمشاريع مماثلة و مجاورة. إنها إذا أردنا لها النجاح و الإنتشار و المساهمة الفاعلة في الإقتصاد الوطني كمنظومة متماسكة ،فإنها تتطلب الرعاية والعناية والحماية، في إطار حزام تنمية إجتماعية، و تتطلب المؤسسية المستمرة و الدفع العلمي والتكنولوجي، القائم على الرؤية المستقبلية في اطار البرنامج الاقتصادي الوطني للمحافظة الواحدة و للبلاد بأكملها.