تتجدد مع بداية كل عام دراسي ومع كل دورة لامتحان الثانويةالعامة، اشكاليات القبول في الجامعات ،سواء من حيث الأعداد أو التخصصات أو العلامات المقبولة لكل تخصص، أوالحد الأدنى من العلامات لدخول الجامعة ،وغير ذلك الكثير.
وليس من المعقول أن يستمر هذا الأمر سنة بعد سنة، بكل ما يرافقه من قلق وإرباك للطلبة وذويهم، وللجامعات و المعاهد و الكليات، دون أن تصل الدولة إلى حل دائم ومستقر، تعمل بموجبه الجامعات، ويطمئن اليه المواطنون بثقة، وبشعور من العدل والواقعية كما هو في الدول المتقدمة . لقد أثبت هذا التناول الموسمي المتكرر في دخول الجامعات عقمه و عدم جدواه في تغيير اتجاهات الطلبة، سواء من حيث اقبالهم على التعليم الجامعي وعزوفهم عن المهني ، أو من حيث تخلي الطلبة وذويهم عن الحصول على الشهادة الجامعية. و بالتالي هناك مفردات لا بد من التعامل معها و إقرارها بشكل كلي ودائم. أولاً : إن التعليم على مختلف مستوياته و في أي عمر حق انساني ووطني لكل من هو مؤهل ومستعد لذلك . ومن يقرر الأهلية ليس الحكومة،و إنما هي المؤسسة التعليمية ممثلة بالمدرسة والمعهد والجامعة وعلى أسس علمية و أكاديمية مستقرة. و “دورالحكومة هنا ،متابعة الأداء النوعي للتعليم من خلال مؤسسات متخصصة ومستقلة تعمل معها على رفع جودة التعليم وتطويره وتحديثه”.ثانيا: هذا يستدعي وجود “عتبة” أو علامة نجاح أو اجتياز مرجعية في كل مرحلة من مراحل التعليم وهي العلامة أو التقدير أو القدرات. وهذه العلامة ذات طابع معرفي تحصيلي موضوعي متوازن، وليس إداري حكومي .فتخفيض علامة النجاح كما وقع قبل أيام إلى (40%) سينعكس سلبا على الطالب و المعلم و المدرسة والجامعة و الأداء العملي للخريجين. كما أن التشدد في رفعها يكون تجاوزا على حقوق المواطن في التعليم. إن الطالب الذي يصل علامة الإجتيازالمرجعية (50%) يصبح من حقه أن يتابع تعليمه إذا رغب بذلك . ثالثاً : إن تحويل اتجاهات الطلبة من الأكاديمي إلى المهني التكنولوجي لا يتحقق بكفاءة و إنتاجية و إبداع من خلال التحكم في العلامات و رفع علامات القبول في الجامعات ، و إنما من خلال تطوير التعليم المهني بالتعاون مع الصناعة، ليكون تكنولوجيا متقدما يقتنع به الطالب و يرغب فيه، و من خلال تطوير بيئة العمل و رفع مستواها التكنولوجي ،و تحديث لوائح التوظيف و الرواتب، و طمأنة الطالب أن طريق المستقبل أمامه مفتوح دائما. رابعا: تقوم كل جامعة بوضع متطلبات التخصص فيها ،سواء من علامة مفردة ،أو مجموعة علامات للعلوم ذات العلاقة، وحسب مستلزمات ذلك التخصص من العلوم والمهارات والقدرات. وحين تكون أعداد الطلبة أكبر من الطاقة الاستيعابية للجامعة أو الكلية أو التخصص يتنافس الطلبة على أساس الأفضلية في العلامات. رابعاً : إن التوسع في قبول الطلبة في الجامعات الرسمية ،ولغايات سياسية إدارية، فوق ما تقتضيه شروط الاعتماد، وبما يزيد عن الطاقة الإستيعابية للجامعة أو الكلية ،سواء من خلال البرنامج الموازي أو الدولي أو تحشيد الطلبة في القاعات، فإن ذلك بالضرورة يؤدي إلى اضعاف التعليم ، و إنهاك عضو هيئة التدريس ،وعدم اتاحة الفرصة لتفاعل الطالب مع البيئة الجامعية، وتغييب الاهتمام بالثقافة، و إهمال بناء الشخصية وتزويد المهارات اللازمة للخريج .الأمر الذي يتجلى مستقبلا في ضعف منظومة العمل و الإنتاج الوطني بكاملها. خامساً: أن البرنامج الموازي و الدولي الآن يشكل خرقاً للدستور من حيث عدم إتاحة الفرص المتكافئة بين الطلبة .كيف يمكن دستورياً تفسير الحالة التي يدفع الطالب في البرنامج الاعتيادي مبلغاً معيناً ويدفع زميله في الموازي أو الدولي أضعاف ذلك ليدرسا نفس التخصص، ومن “ليس لديه المال الكافي يبقى خارج اللعبة”. هذا إضافة إلى تحميل الأساتذة أعباء مرهقة تؤثر على أدائهم فينعكس ذلك سلبا على العملية التعليمية بكاملها. سادساً: إن رفع علامات القبول لدخول الجامعات الخاصة فوق العتبة التحصيلية السليمة أي علامة النجاح الموضوعية المتوازنة 50%، من شأنه أن يترك عشرات الآلاف من الطلبة الراغبين في التعليم العالي نهباً للإرتباك والإحباط، والبحث عن جامعات في الخارج. بكل ما يعني ذلك من خسائر للاقتصاد الوطني بمئات ملايين الدنانير سنوياً. إضافة إلى أن مستوى الكثير من تلك الجامعات الخارجية أدنى من مستوى الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة. سابعاً :وإذا كانت هناك قناعة علمية وأكاديمية ومهنية صادقة بإن علامة النجاح غير كافية في تخصصات معينة ،فإن الأمر يقتضي أن يكون هذا معلناً مقدما و بشكل دائم في كل جامعة و يعرفه كل من يرغب الإلتحاق، وأن يتم التوافق الأكاديمي على مساقات تكميلية أو استدراكية أو تحضيرية تفرضها الجامعة و تلتزم بها في السنة الأولى لدراسة الطالب. وبذلك تتم المحافظة على المستوى والنوعية ،وفي نفس الوقت فتح المجال للطالب أن يواصل تعليمه في بلده .ثامناً :إن التجسير من كليات المجتمع إلى الجامعات يتطلب إعادة نظر شاملة. فلا ينبغي أن يحدد بأعداد أو نسب و إنما بقياس موضوعي للتحصيل العلمي . ذلك أن الطالب أيا كان أداؤه واختياره في مرحلة معينة، لا ينبغي أن يكون ذلك قدرا مصيريا لا فكاك منه، و كأنه نهاية محتومة . وانما ينبغي ان يكون المجال أمام المتعلم مرنا مفتوحاً للنهوض والمتابعة و التغيير، ولكن باستيفاء موضوعي حقيقي لمتطلبات يفرضها الطريق الجديد. فمن أراد أن يجسر من كلية مجتمع إلى الجامعة فله الحق في ذلك. ولكن عليه أن يأخذ مساقات تكميلية أو استدراكية ترفع المعرفة والعلم لديه إلى المستوى المطلوب .تاسعاً : وما ينطبق على التجسير ينطبق على دراسة الماجستير لمن لديهم تقدير “مقبول”. لماذا يحرم الطالب من استكمال دراسته العليا ؟ في تخصصه أو في غيره؟ و الحل بسيط :يطلب من صاحب تقدير المقبول أن يأخذ مساقات تكميلية ترفع من قدرته المعرفية وتعزز من استيعابه للمواد المطلوبة حسب التخصص الذي يريد أن يتابع فيه دراسته.عاشرا إن استخدام مجموع العلامات بدلا من المعدل يحمل تعقيدات مجحفة للطالب .إذا تم تحديد مجموع 1100 مثلا لدخول تخصص معين ، فما هو مصير من مجموعه 1098؟ الحساب على المعدل يعطي للطالب مجالا أرحب و هو أقرب للمنطق و العدالة. فكل علامة في المعدل المئوي تساوي 14 علامة في المجموع المطلق.
و أخيرا فإن تطوير التعليم و رفع مستواه مسألة لا تتم منفصلة عن المعلم و الأستاذ والمؤسسة و سوق العمل.و الأبواب الموصدة تؤدي إلى الخروج من النوافذ.و التعليم العالي الخاص هو جزء أصيل من قطاع التعليم الوطني في جوانبه الأكاديمية والمعرفية والإبداعية، وكذلك الجوانب الإقتصادية والمجتمعية. فالاستثمار الخاص في هذا القطاع يتعدى المليار دينار وفرص العمل المتاحة تتعدى (12) ألف فرصة، والخريجون سنوياً يزيدون عن (25) ألف شاب وشابة ينتشرون في كل أرجاء الوطن. ومثل هذا القطاع لا يزدهر الا من خلال الاستقرار و الإستقلال، والوضوح وعدم التدخل، والتركيز على الجودة والنوعية وعلى الطالب .
أن التعليم وبناء المستقبل للأجيال الصاعدة لا يجوز ان يكون خاضعاً للحظ لمرة واحدة، أو للقرار الإداري. وانما ينبغي أن يخضع للتحصيل والاجتهاد والمثابرة، والتغلب على الفشل و المحاولة من جديد ،حتى ينشأ جيل يعرف معنى كل ذلك ،ويمارسه بثقة. فذلك هو الطريق الصحيح للانتهاء من أزمة المجتمع أزاء القبول الجامعي و التعليم العالي .