مضى على العدوان الإسرائيلي المتوحش والمدمر على قطاع غزة وما رافقه من اجتياحات واعتقالات واغتيالات لا تتوقف في الضفة الغربية أكثر من 380 يوما. تجاوز أعداد الضحايا 50 ألف شهيد والجرحى 100 ألف والمعتقلين في الضفة الغربية 10 آلاف والضحايا أكثر من 1200 شهيد. أما لبنان فقد وصل عدد الشهداء 3500 إضافة إلى عشرات القرى والأحياء المدمرة. ولم تسلم سورية واليمن والعراق وايران من أن تصلها شظايا العدوان بدرجات متفاوتة ولكنها تقتل أي أمل بالوصول الى سلام في المنطقة بعد ان توسعت مطامع إسرائيل خلال هذه الفترة للاستيلاء على مزيد من الأراضي وتهجير السكان بأي وسيلة سواء في غزة أو الضفة أو جنوب لبنان. وخلال الأشهر الماضية أدركت حكومة نتنياهو ضعف إدارة بايدن والحلفاء الأوروبيين عن اتخاذ أي قرار لا تريده إسرائيل، ولذا استرسل بايدن وحلفاؤه وبدون توقف بتزويد إسرائيل بالأسلحة المدمرة حتى تجاوز ما ألقته إسرائيل على غزة 85 ألف طن من المتفجرات اي بمعدل 230 طنا يومياً في حين أن المعدل اليومي للمتفجرات التي القيت في حرب فيتنام كان 196 طنا يومياً. ولتغطية هذا الموقف اللاإنساني استرسل الأميركي وحلفاؤه بترويج العبارات الدبلوماسية التي لا تعني شيئاً في الجانب العملي مثل القلق والتشكيك وعدم الارتياح، وفي نفس الوقت تعطيل كل قرار دولي لإيقاف الحرب. وفي العقل السياسي لنتياهو وزمرته فإن السبعين يوما المتبقية لانتقال السلطة من بايدن الى ترامب تشكل فرصة ذهبية لتنفيذ المخططات التي يريدها اليمين الصهيوني مستغلين انشغال أميركا بانتقال السلطة من الديمقراطيين الى الجمهوريين وإنشغال العالم بتكهنات السياسة الجديدة التي سوف ينتهجها ترامب بعد 20 كانون الثاني 2025. لقد أكد ترامب أثناء حملته الانتخابية على ثلاث مسائل رئيسة الاولى: الاقتصاد الأميركي وتخفيف عبء الضرائب وخلق فرص عمل جديدة. والثانية: إغلاق الحدود الأميركية وخاصة مع المكسيك لمنع الهجرة غير القانونية. والثالثة: لإنهاء الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط.
إن الدارس لشخصية الرئيس القادم وطريقة تعامله مع الأحداث يدرك ان «عقلية ترامب تقوم على أساس صفقة الأمر الواقع، وشراء الخصم وليس الدخول في الحيثيات والنقاشات السياسية والتاريخية وليس البحث عن الحق والعدل والقانون».
من أجل ذلك سارع نتنياهو وحكومته والكنيست والجيش الإسرائيلي الى إقالة وزير الدفاع غالانت الذي كان يؤكد ضرورة عقد صفقة مع المقاومة يتم فيها إطلاق سراح الأسرى وسارعوا الى اتخاذ جملة من الخطوات ليشتريها ترامب كما هي وعلى النحو التالي. أولاً: تكثيف عملية التدمير الكامل في قطاع غزة عموما وفي شمال القطاع بشكل خاص في محاولة لتفريغه كاملا من السكان وتحويله الى حزام أمني وشريط عسكري إسرائيلي حتى يضمن عودة سكان المستعمرات في شمال القطاع. ثانياً: إصدار قانون يحظر عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة والقطاع بعد أن اتهمها نتنياهو بالإرهاب وأعلن أن الأمين العام للأمم المتحدة شخص غير مرغوب فيه ويمنع من دخول إسرائيل. كل ذلك بهدفين متزامنين وهما تمهيد الطريق لإنهاء وجود الإونروا سياسيا وقانونيا وتوثيقيا من جانب، وتعميق خطة التجويع والأمراض والقتل الجماعي للفلسطينيين من جانب آخر.
ثالثاً: إصدار قانون ترحيل عائلات المقاومين الفلسطينيين عن ديارهم لفترات تمتد الى 20 عاماً وهو تعزيز للعقاب الجماعي رغم تعارضه مع القانون الأساسي وتعسفياً الى أقصى درجة و«بداية للتهجير القانوني» وخاصة في مدينة القدس. رابعاً: تدمير أكثر من 25 قرية في جنوب لبنان بهدف السيطرة على الجنوب اللبناني واحتلال الأراضي اللبنانية حتى نهر الليطاني.
خامساً: إصدار قانون باعتقال الأطفال الفلسطينيين دون سن الرابعة عشرة وسيكون التعسف باستخدام هذا القانون على أشده، والتوسع الأعمى بإلصاق التهم التي تستدعي الاعتقال على أوسع نطاق. سادساً: استمرار عقد الصفقات للحصول على الأسلحة المدمرة على الرغم من أن مجموع صفقات شراء الأسلحة منذ 7 اكتوبر 2023 تجاوزت 40 مليار دولار، كان دافع الضرائب الأميركي والبريطاني والألماني الممول الرئيس لهذه الصفقات. كما تعاقدت إسرائيل لاستيراد 25 طائرة F15 بقيمة 5 مليارات دولار تمولها أميركا، الأمر الذي يعكس الخطط والبرامج العدوانية التي يبيتها الكيان الصهيوني ضد دول المنطقة.
سابعاً: تكثيف عمليات التدمير والتخريب من جانب المستوطنين والجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة بكل الوسائل الممكنة، والتركيز على طمس الأثر الحضاري والإنساني لكل ما هو عربي.
وعليه فمن المتوقع ان يعلن نتنياهو أو الكنيست ضم الضفة الغربية بكاملها او الجزء الأكبر منها الى إسرائيل، وسيعمل الكنيست على إصدار قانون بهذا الشأن خلال الفترة المتبقية لإدارة بايدن. ومن هنا سيكون الكيان الاستعماري الصهيوني في طريقه لتحقيق المرحلة الثالثة وهي ابتلاع فلسطين بكاملها. وإذاك سيكون نتنياهو مستعداً لوقف الحرب عند النقاط التي سيصل اليها وسيوافقه ترامب على الانطلاق من سلام الأمر الواقع بعيدا عن أي حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني.
هل سيبقى الجانب العربي صامتاً متفرجا باستثناء الأردن، حتى يصل نتنياهو الى مبتغاه؟ هل ستدرك الأقطار العربية أنها تأتي في المرحلة الرابعة من البرنامج الصهيوني وهو التوسع؟ إن الدور القادم، إضافة إلى المؤسسات الرسمية، هو للأحزاب والبرلمانات العربية، أولا لتكثيف الدعم والمساندة لفلسطين والمقاومة، وثانياً للضغط على الأحزاب والبرلمانات الدولية للضغط على حكوماتها لوقف الحرب ووقف بيع الأسلحة لإسرائيل والالتزام بحل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير.