بكل العنجهية والصلف الإستعماري، وجه وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس رسالته التهديدية الى سكان غزة» بأن هذه الفرصة الأخيرة لهم، إما أن يطلقوا جميع الاسرى ويعملوا على طرد حماس من غزة، وإلا فإن إسرائيل ستتحرك بقوات لم تعرفوها بعد. وأضاف كاتس» اعيدوا الرهائن، خذوا بنصيحة الرئيس الاميركي واقضوا على حماس وستفتح امامكم خيارات اخرى، بما في ذلك السفر الى اماكن حول العالم لمن يرغب، وإلا فالبديل هو الدمار والخراب الكامل». وبنفس اللهجة كرر نتنياهو تهديده وقال: هذه مجرد البداية وسنعمل حتى نصل الى النصر المطلق. وايد البيت الابيض الإجراءات الاسرائيلية كاملة، وأعاد بن غفير الى الحكومة بعد ان تحقق الشرط الذي وضعه أمام نتنياهو وهو استئناف الحرب في غزة تمهيداً لتهجير سكانها. وفي نفس الوقت توسعت اسرائيل في احتلال مزيد من الاراضي السورية حتى تعدت المساحة التي تحتلها اليوم 40 الف كيلو متر مربع اضافة الى شريط حدودي داخل الاراضي اللبنانية يتجاوز عمقه 15 كم.
ورغم رفض العودة الى الحرب من معظم دول العالم باستثناء الولايات المتحدة الاميركية ورفض الحرب من
42 % من الاسرائيليين إلا ان العدوان الاسرائيلي مستمر، وعلى أشده في الضفة الغربية، ويتصاعد تدريجيا في غزة ليصل الى مستوى ما قبل الهدنة التي تراجع عنها نتنياهو بدعم مطلق من الرئيس ترامب.
إن عودة بن غفير الى الوزارة، وتمكن سموتريش من الدعم المفتوح للمستوطنين وتخلص نتنياهو من معارضيه تمثل الانطلاقة الثالثة لليمين الاسرائيلي المتطرف لتحقيق الأهداف التوسعية والاستيطانية للصهيونية في فلسطين وخارجها، وتجسم التنفيذ الفعلي للشرق الأوسط الجديد الذي يتحدث عنه اليمين الاسرائيلي.
إن الخريطة الجديدة التي يتصورها نتنياهو واليمين الصهيوني للشرق الأوسط تحمل السمات الرئيسية التالية:
اولاً- استكمال تهويد القدس والاماكن المقدسة وخاصة الاقصى والحرم الابراهيمي وكنيسة القيامة.
ثانياً- ضم الضفة الغربية رسمياً خلال الاسابيع القادمة واستجابة ترامب بالاعتراف الفوري بالضم.
ثالثاً- استمرار التدمير في غزة في اطار من حرب الابادة المتمثلة في القتل الجماعي واغتيال قيادات المقاومة ومنع الماء والكهرباء والغذاء عن القطاع، وتقسيمه الى مربعات صغيرة على طريق تهجير سكانها بالتجزئة.
رابعاً- ترسيخ الاحتلال في الاراضي السورية واقامة منشآت جديدة فيها بما في ذلك مستعمرات مدنية وقواعد عسكرية ومشاريع مائية.
خامساً- الاحتفاظ في الشريط الحدودي اللبناني بادعاء الضرورة الأمنية.
سادساً- العمل على تعزيز كل فتنة أو نزاع أو صراع أو حركة انفصالية او تقسيمية في سورية والعراق ولبنان وأي بلد عربي آخر، وبدعم مباشر من الادارة الاميريكية.
وسنة بعد سنة يعطي كيان الاحتلال مزيدا من الادلة والبراهين على اصراره على مخططاته بدون اي اكتراث لما يصدر عن الجانب العربي من ادانة واستنكار، ودعوة المجتمع الدولي للتدخل، بينما الجانب العربي يقف بعيدا عن أي تدخل ولا يتخذ اي اجراء عملي يمكن ان تقيم له اسرائيل وزنا او تعيره اهتماما. وكما هي العادة يراهن الجانب الاسرائيلي على الزمن لتحقيق اهدافه بالسرعة الممكنة، فهو امام فرصة ذهبية كما يراها اليمين الصهيوني تتمثل في التأييد الاميركي المطلق والغياب العربي والدولي، واستمرار الانقسام الفلسطيني وشلل القانون الدولي والإنساني بسبب تعطيل الادارة الاميركية لأي قرار من المؤسسات الدولية او الامم المتحدة.
هل سيستمر نتنياهو حتى يحقق هذه الأهداف دون سؤال؟ ودون قوة توقفه عند نقطة معينة؟ نتنياهو سيعمل على اطالة الحرب وتشجيع اميركا على ضرب ايران موهما الرأي العام الإسرائيلي والأميركي أن ذلك سيحقق الأمن الإستراتيجي لإسرائيل وبالتالي سيوصل الشرق الاوسط الى السلام الكامل. وهو السلام الذي يقوم على سيطرة اسرائيل عسكريا وسياسياً وتكنولوجيا ولوجستيا، وتفكك الاقطار العربية وخروج ايران من المجال النووي. يريد نتنياهو أن يخرج بطلا يفتح الآفاق الجديدة لاسرائيل، ويصنع الشرق الأوسط الجديد كما يريد، يحركه بقوة اليمين الصهيوني المتطرف الباحث عن التوسع، وتحركه ايضاً رغبته في الخروج منتصراً على الفلسطينيين ليكون مؤهلا للنجاح في الانتخابات الإسرائيلية القادمة ليشكل حكومة جديدة ويبقى رئيساً حتى عام 2030.
هل يمكن للدول العربية ان تستشعر الخطر المشترك؟ وهل يمكن للدول العربية والاسلامية ان تجمد علاقاتها مع اسرائيل وتنذر الولايات المتحدة بأنها لن تستطيع الاستمرار على هذا الحال؟ هل يمكن للدول العربية النظر إلى نفسها أولا حتى تتماسك أمام خطر نظرية الاحتلال والشراء التي يؤمن بها ترامب ونتنياهو؟ والنظر الى الشرق ثانيا، وتحمل مشقة التغيير؟ تلك هي المسألة.