تتسارع التغيرات التي تتعرض لها البيئة لأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها التزايد المتسارع في السكان في آسيا و افريقيا و أمريكا اللاتينية ، والاستهلاك المتزايد للحوم والمواد الأخرى ،و الحاجة المتصاعدة للطاقة، والانبعاثات الغازية والحرارية من محطات توليد الطاقة و السيارات و المزارع، و خاصة من الدول الصناعية و في مقدمتها امريكا و الصين، وغياب الوعي البيئي على المستوى المجتمعي. هذا إضافة إلى التأثيرات السلبية التي تحدثها التغيرات المناخية المتداخلة وخاصة الجفاف و التصحر و ارتفاع درجات الحرارة. وعند النظر إلى السنوات المقبلة، فإن التعامل مع البيئة سيكون صعباً ومعقداً، خاصة “اذا لم يتم اتخاذ الاجراءات والتدابير في وقت مبكر وفي اطار البيئة الخاصة بكل دولة” وبالاقليم ثم العالم،و إذا لم يتم إلتزام الدول الكبرى بإتفاقيات المناخ ، و لم يتم تغيير السلوك المجتمعي، ولم يتم تطوير أنظمة جديدة إزاء الطاقة و خاصة من قبل الشركات الكبرى المهيمنة على مصادر الطاقة في العالم. وهذا يضع بلدنا الأردن في موقف يتطلب الكثير من العلم و العمل والمشقة والجهد ،نظراً لضعف المعطيات البيئية من حيث مصادر الطاقة،و الحرارة والتصحر، وشح المياه، والتزايد السكاني غير المحسوب.
كل ذلك دفع الكثير من الدول إلى الاهتمام بالتوعية البيئية في سن مبكرة ،حتى ينطلق النشء الجديد وهو واع لمتطلبات الحفاظ على البيئة ، ومتدرب على السلوكيات البيئية الصحيحة، ومستعد للابداع والاختراع فيها. ونظراً للتلازم الوثيق بين البيئة وإنتاج و استهلاك الطاقة من جهة، والتقدم الاقتصادي الصناعي من جهة ثانية، وتوفير المياه بالكميات الكافية من جهة ثالثة، فقد دخلت التوعية بالطاقة جنبا إلى جنب مع التوعية البيئية أو كجزء منها.
وشرعت الكثير من الدول في إدخال مفاهيم البيئة السليمة و الحفاظ عليها من جهة، والطاقة النظيفة الآمنة من جهة أخرى ،إلى طلبة المدارس و الجامعات بهدف خلق “وعي بيئي” و “وعي طاقي” سليم لدى الناشئة، قوامه الحفاظ على البيئة ومنع التلوث الكيميائي أو الحراري أو الإشعاعي أو غيره. وهذا يقود إلى “مفاهيم البيئة الخضراء والى الطاقة النظيفة، ومصادرها واستخداماتها والحفاظ عليها. وهنا تبرز خمسة عناصر رئيسية في البيئة والطاقة. الاول مكافحة التصحر ،و الثاني حل مشكلات المياه من خلال تكنولوجيات جديدة، و الثالث الطاقة المتجددة وبشكل خاص الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، و الرابع حفظ الطاقة وترشيد استهلاكها ،والخامس كفاءة الاستخدام والتصاميم الموفرة للطاقة وتكنولوجيا المواد والمحركات الصغيرة.
أما الطاقة التقليدية فينظر اليها باعتبارها مصدرخطير للتلوث واختلال مفردات المناخ. و بالنسبة للطاقة النووية فإنها تعرض في المدارس من منظور مستقبلي متحفظ باعتبارها مناقضة للبيئة الآمنة ومستهلكة للموارد البيئية الأساسية، وأهمها المياه في البلدان الفقيرة في المياه كما هو حال الأردن. فالتكنولوجيا السائدة اليوم و هي تكنولوجيا الإنشطارالنووي غير آمنة و خاصة في الدول غير الصناعية، و شديدة الإخلال بالمناخ بسبب الإنبعاثات الحرارية الضخمة، و الإنبعاثات الإشعاعية في مراحل تعدين اليورانيوم، و الكوارث النووية ،و العيوب التكنولوجية و الهندسية غير الملحوظة أثناء التشغيل، و على مدى السنوات ، و بطبيعة الحال الإشكالات الكبرى المتعلقة بالنفايات النووية و تلويثها الهائل للبيئة. و لذا يتم التنويه بتكنولوجيا “الإندماج النووي” الأقل خطورة و تلويثا و المنتظر تعميمها تجاريا خلال العشرين سنة القادمة، حين يصبح فتى و فتاة اليوم جزء من صنع القرار و من فعاليات مجتمع البيئة و الطاقة.
ويبدو أن هيئة الطاقة النووية الأردنية تعمل على ادخال مفاهيم الطاقة النووية في المناهج المدرسية وفي وقت مبكر، مما دعا إلى اجتماع الهيئة مع وزارة التربية والتعليم. ومثل هذا التوجه يستدعي التفكير والمناقشة. إذ ينبغي أن يكون ذلك في إطار مفاهيم البيئة الخضراء النظيفة و مستلزماتها من المياه والطاقة المتجددة و في إطار “التوجهات الأكثر رجاحة في العالم من حيث الأمان و أمن الطاقة و التلوثات غير المنظورة “على مدى السنوات . يضاف إلى ذلك أن كثيراً من المفاهيم والارقام لا زالت مختلطة ومشوشة لدى هيئة الطاقة النووية كما في توجهاتها المعلنة، بما في ذلك الربط بين الدعائم الأساسية لمشاريع الطاقة النووية. فالربط المباشر بين احتياطي اليورانيوم في البلاد و بين الطاقة النووية ،امر ليس صحيحاً ابدأ. فاستراليا هي صاحبة اكبر احتياطي يورانيوم في العالم، ومع هذا ليس لديها محطة نووية. وكذلك الاحتياطي الاردني من اليورانيوم كان يقال 200 الف طن و 150 و 80 الف طن دون الاشارة إلى درجة التركيز والذي يلعب دوراً بالغ الأهمية في اقتصاديات الاستخراج و متطلبات المياه في بلد فقيربهذا المصدر. و في تصريح أخير لرئيس هيئة الطاقة النووية قال : أن الاحتياطي من اليورانيوم في الأردن هو 40 ألف طن .وأضاف :” وهو يكفي الأردن لـ 100 عام ” هل سيقال مثل هذا لكلام لطلبة المدارس؟ هذا الربط غير الصحيح بين الأرقام نرجو أن لا ينتقل إلى طلبة المدارس والجامعات كما تريد الهيئة . فاليورانيوم الخام شيء ،واليورانيوم المخصب المستعمل في المحطات النووية شيء آخر ومختلف تماماً. إن عملية تخصيب اليورانيوم محصورة في يد الدول الصناعية الكبرى. وتحاول دول أخرى مثل ايران دخول هذا الميدان وسط قيود وضغوط عالمية شديدة .وفي حين يباع اليورانيوم الخام 40 – 60 ألف دولار لكل طن فإن كلفة اليورانيوم المخصب تبلغ عشرات الآلاف لكل كيلوغرام. كما أشار إلى أن “فاتورة الطاقة تصل إلى 20% من الناتج المحلي الاجمالي”. ولكن هذه الارقام قديمة و قد تغيرت تماما و إلى أقل من النصف وخاصة بعد استعمال الغاز المسال والذي يغطي 85% من الطاقة اللازمة للكهرباء، و بعد دخول الطاقة الشمسية و طاقة الرياح وكذلك الصخر الزيتي.
إن التوعية المبكرة في البيئة و التوعية بالطاقة و بالمياه مسألة بالغة الأهمية ،و لكنها ينبغي أن تكون قائمة على العلم و الموضوعية و الرؤية المستقبلية و من منظور الوطن بكامله و إمكاناته ، و ليس من منظور مشروع معين فيه إشكالات كثيرة لم تحل بعد.