التدمير والتكنولوجيا.. النمط الإسرائيلي الجديد

قبل أيام، وبأغلبية 124 صوتا من أصل 183 دولة مشاركة في الاجتماع صدر قرار تاريخي عن الأمم المتحدة يقضي بعدم قانونية وجود الاحتلال في فلسطين وعلى إسرائيل أن تنسحب من الأراضي المحتلة وتعطي الفرصة للشعب الفلسطيني لتقرير مصيره وإقامة دولته على ترابه الوطني خلال مدة أقصاها 12 شهرا. جاء ذلك بعد تقرير محكمة العدل الدولية بارتكاب إسرائيل أعمال إبادة جماعية في قطاع غزة، وبعد مرور ما يقرب من عام على الحرب الهمجية  الصهيونية على القطاع بكامله وحملات عسكرية يومية على الضفة الغربية، وارتقاء ما يقرب من 42 ألف شهيد و96 ألف جريح إضافة إلى اعتقال 10 آلاف فلسطيني في الضفة الغربية.

لقد بدأت إسرائيل قبل أيام بسحب الجزء الأكبر من قواتها العسكرية المنهكة من غزة ومن الضفة والادعاء بتوجيهها نحو الشمال لمواجهة حزب الله في لبنان، ولضمان عودة المستوطنين الذين هجروا المستعمرات المقامة في شمال فلسطين. فهل انتهت الحرب في غزة؟ بالتأكيد لا. ولكن منهاج العمل الإسرائيلي تغير بعد أن فشل نتنياهو في تحقيق أهدافه الثلاثة التي أعلن عنها في بداية الحرب، وبعد فشل محاولات تهجير الفلسطينيين بالقوة من غزة ومن الضفة الغربية. ويرتكز المسار الجديد على عناصر رئيسية خمسة على النحو التالي الأول: الإمعان في تدمير البنية التحتية والمرافق العامة والمساكن في غزة وفي مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية إلى درجة الإعدام الكامل، وعدم إتاحة الفرصة للسكان لإعادة البناء. والتركيز على تدمير شبكات الأنفاق التي اقامتها المقاومة خلال السنوات الماضية. الثاني: تجفيف الإمكانات الحياتية وخاصة في غزة من خلال إبقاء الحصار الكامل برا وبحرا وجوا وإغلاق المعابر وعدم السماح بدخول المساعدات من مواد غذائية أو طبية أو إنشائية أو وقود أو غيرها إلا بشكل ضئيل للغاية بهدف الادعاء الكاذب أمام العالم بأن المساعدات ما تزال تدخل إلى القطاع، والعمل على إفراغ قطاع غزة  والضفة الغربية من مؤسسات الإغاثة الدولية وفي مقدمتها الأونروا ومنع أي جهة دولية ترغب في المساعدة أو التحقيق في انتهاكات إسرائيل للقوانين الدولية والإنسانية، منعها من دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة. الثالث: مواصلة حرب التجويع  والتعطيش بتدمير الاراضي الزراعية في كل بقعة فلسطينية مباشرة من خلال الجيش وآلياته، أو قطعان المستوطنين بحماية العسكر أو الشرطة، ومنع وصول المياه للحياة اليومية إلا من خلال مساعدات تدخل بين حين وآخر. الرابع: التركيز على استخدام الطيران التقليدي لتدمير المنازل والمستشفيات والمربعات السكنية التي يقطنها الفلسطينيون في غزة وفي المخيمات وبصورة متواصلة، واستخدام الطائرات المسيرة لاستهداف منازل معينة بهدف التدمير والاغتيال وبذلك تتجنب القوات الإسرائيلية البرية الخسائر في الأفراد والآليات التي توقعها مجموعات متفرقة من المقاومة الفلسطينية. الخامس: التوسع في تحريك العملاء وتوظيف التكنولوجيا وخاصة تكنولوجيا الاتصالات في تتبع القيادات والأفراد من المقاومة أو المساندين لها ورصد تحركاتهم ومن ثم تنفيذ عمليات اغتيال أو تفجير عن بعد أو من خلال الطائرات المسيرة مستفيدة من عملاء زرعتهم في أماكن مختلفة ومنها الشركات المنتجة للأجهزة والمعدات التي تصل المنطقة العربية. 
وهكذا فإن الهدف النهائي لليمين الصهيوني الذي يسود إسرائيل يتمثل في تجفيف منابع الحياة لدى الفلسطينيين بكل السبل حتى تصبح الحياة مستحيلة سواء في غزة أو الضفة. وهذا ما يساعد حسب مخططات الصهيونية المتوحشة على التهجير الطوعي دون ضجيج.
الى متى سيبقى 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة ينزحون من مكان إلى آخر في القطاع دون أن يكون هناك مكان آمن فعلا؟ ودون أن تبدو بارقة أمل للسلام في الأفق؟ هذا ما يراهن عليه نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وغيرهم. لذلك يعمل نتنياهو وزمرته على إطالة زمن الحرب بأي وسيلة، واختراع المطالب والعقبات التي تحول دون الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب وخروج المحتل الإسرائيلي من غزة، غير عابئين بالقرارات الدولية ما دام غطاء الدعم الأميركي المطلق لا يتغير رغم عبارات القلق الدبلوماسي والتي لا تعني شيئاً على الاطلاق، وما دام الجانب العربي يكتفي بالدبلوماسية المفرطة النعومة والتي لا تعني الكثير. كما «ويراهن نتنياهو على تضخيم حجم القتل والتدمير، إذ يريده أن يصل إلى المستوى الذي تفقد معه المقاومة الحاضنة الشعبية الفلسطينية والعربية الرسمية والشعبية». ولذا بدأنا نسمع أصواتا عربية موجهة إلى المقاومة تقول إلى متى؟.
المشكلة أن إسرائيل ترفض السلام، وترفض حل الدولتين، وترفض الدولة الواحدة الديمقراطية للعرب واليهود، وتتمسك بعنصرية عمياء بيهودية الدولة، واحتلال كامل الأراضي الفلسطينية وبعض من أراضي الجوار. كل ذلك، وبعد 30 عاما من أوسلو، يضع الفلسطينيين أمام بديلين: الأول: التضحية من خلال الكفاح والمقاومة بمختلف أشكالها الخشنة والناعمة والحربية والسلمية وهناك أمل واحتمال قوي بالانتصار لنيل الحقوق الثاني: العودة إلى الهدوء والسكينة كما كان الأمر قبل 7 أكتوبر، أي الدخول في مثلث جابوتنسكي- سموتريتش أي الخضوع أو الهجرة أو الموت. فماذا يختار الفلسطينيون؟ المقاومة أخذت البديل الأول وهو البديل الذي إختارته جميع الشعوب التي حررت أوطانها أي التضحية رغم ارتفاع الثمن.