(1) المال والاقتصاد
في كل سنة يتم فيها عرض الموازنة ومناقشتها في مجلس النواب، تثار نفس القضايا تقريبا وتطرح نفس الأسئلة :أولاً: ما هي مبررات التوسع في الإنفاق بنسب أعلى بكثير من معدل نمو الاقتصاد ؟حيث توسع الإنفاق في الموزنة الجديدة بنسبة 7% في حين نما الاقتصاد بنسبة (2.5%) ثانياً: لماذا يستمر العجز في الدوائر المستقلة و التي تستنفذ 25% من الموازنة دون اتخاذ اي إجراء لتصحيح أوضاعها ؟ ،ثالثاً: ما جدوى منطقة العقبة الإقتصادية إذا لم تساهم في توفير فرص عمل للأردنيين ؟ و ما تفسير ضآلة العائدات من هذه المنطقة ؟ رابعاً: إلى متى سيستمر الإنفاق الرأسمالي ضئيلا و التركيز فقط على الإنفاق الجاري الذي لا يحدث تغييرا إقتصاديا يذكر؟ خامساً: ما هو تفسير عدم الاكتراث بالمشاريع الإنتاجية التي توفر السلع و فرص العمل و خاصة في المحافظات ؟ وغير ذلك الكثير.
وسنة بعد سنة تتجاهل الحكومات تلك القضايا وتهمل الإجابة العملية الجادة على الأسئلة ،وتستمر على نفس المنوال. والنتيجة دائما استمرار العجز، وتعاظم المديونية التي ارتفعت بنسبة 38% خلال 3 سنوات ،وبطء النمو الاقتصادي بمعدلات أدنى من النمو السكاني، واستفحال البطالة و الغلاء و اتساع دائرة الفقر.
السؤال المحير هو: لماذا لا تلتفت الإدارات المتعاقبة جدياً لآراء النواب والخبراء والمتخصصين و العلماء و المفكرين؟ و تستمر على نفس المنوال ،بدون الحصول على نتائج ايجابية ،بل وبكل التفاقمات الاجتماعية من جربمة ومخدرات وبطالة وتهميش الزراعة وإهمال المحافظات وتراجع الانتاج وتوسع الاستيراد في كل شيء؟
لماذا تستجيب الحكومات في الدول المتقدمة مع مطالب النواب و آراء الخبراء و تطلعات الجمهور؟حتى لو أدى ذلك إلى استقالة الحكومة اعترافا بالمسؤولية؟ وليس إجباراً بالقانون. في حين يتم التغاضي في المنطقة العربية عن النواب و الخبراء بل و الجمهور بكامله؟
هل يمكن أن تأتي “إدارة ” يوما ما أولاً تقتنع بأن الخروج من الأزمة المالية ليس له سوى طريق واحد هو الاقتصاد الإنتاجي والمشاريع الجديدة، وليس طريق المعالجات المالية الصرفة ،ومواجهة العجز بالضرائب والقروض ؟ ثانياً: تأخذ آراء النواب و العلماء والجمهور والخبراء مأخذاً جاداً، فلا تكرر أخطاءها ومن سبقها سنة بعد سنة وموازنة اثر موازنة؟ هل هذا ممكن في المنطقة العربية؟؟
(2) الفساد والمسؤولية
تبين أرقام عام 2015 ان مؤشرات الفساد في المنطقة العربية لا زالت عالية وأن أدنى درجات النزاهة أو اعلى مؤشرات الفساد تحتلها (6) دول عربية حيث لم يحصل بعض هذه الدول على 10 من مئة وأخرى أقل من 20 من مئة في حين أن جميع الدول المتقدمة يرتفع فيها مؤشر النزاهة وينخفض فيها مؤشر الفساد إلى مستويات ضئيلة. يشمل ذلك الدول الاسكندنافية ونيوزلندا وسنغافورة وغيرها. ورغم مرور اكثر من 15 سنة على محاولات االمواطنين و الأحزاب و الشباب و المثقفين و الإصلاحيين و غيرهم لدفع “الادارات “إلى الانتهاء من “حقبة الفساد” ودخول “حقبة النزاهة” إلا ان الاستجابة لمطالب الجماهير العربية تكاد تكون معدومة… وبالمقابل اجتاحت المظاهرات العارمة كوريا منذ عدة أشهر،وبلغ عدد المتظاهرين 3.5 مليون متظاهر. وهؤلاء لا يطالبون بالخبز أو الكهرباء ولا بفرص العمل، فالبطالة في كوريا أقل من3.6% مقارنة بـ 15% في المنطقة العربية. وهي بين الشباب 8.5%وليس 30% كما في المنطقة العربية ولا احتجاجا على تكاليف المعيشة ولا بالحقوق الديمقراطية، فترتيب كوريا العشرين بين دول العالم ، ودليل الديمقراطية لديها 8 من 10 مقارنة بالبلدان العربية التي يقل دليل الديمقراطية فيها عن 3.5.. كما أنهم لا يطالبون بإصلاح التعليم. فكوريا من أفضل بلدان العالم في التعليم،ودليل التعليم لديها 8.7 من أصل 10 ولا بتنمية الارياف فالمشاريع الانتاجية لديهم تملأ البلاد بعد ان أصبحوا من أوائل الدول الصناعية وبعدأن أصبحوا يبنون المفاعلات النووية ويبيعونها للأقطار العربية . ولا يطالب الكوريون بالاهتمام بالشباب أو الفنون او الثقافة. فكل ذلك تتمتع به بلادهم التي كانت عام 1960 بمستوى السودان من حيث الدخل. واستطاعت خلال خمسين عاماً ان تضاعف نصيب الفرد 23 مرة، والبلاد العربية غير النفطية لم تضاعف نصيب الفرد بأكثر من 12 مرة
انطلقت المظاهرات تطالب باستقالة رئيسة الدولة لا لأنها سرقت أموال الشعب ،ولا لأنها ارتكبت أخطاء سياسية ،ولا لأن الاقتصاد تراجع في عهدها، ولا لأن المديونية ارتفعت والثقافة تدهورت، بل لأن صديقة لها مقربة منها و تتدخل في اعمال الرئاسة عليها شبهات فساد.وعملت على منح شركة سامسونج الكورية تراخيص غيرقانونية.
لقد كان الإصرار الكوريين شديداً بضرورة استقالة رئيسة الجمهورية لأنها تقرب إلى جانبها صديقة فاسدة. فقال أحد المتظاهرين “لقد تظاهرت لانني اريد ان اثبت لأولادي ان البلد يخص الشعب وليس اولئك الذين يمسكون بزمام السلطة”. وعلى الرغم من أن الرئيسة بارك غوين قدمت اعتذارها علناً اكثر من مرة إلا ان الدعوات لرحيلها ومحاكمتها لم تتوقف وهي في طريق التنحي عن الرئاسة.
والسؤال: ما صدى مثل هذه المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات إذا أراد المواطن العربي ان يطبق المعايير الكورية؟ كم هم الاشخاص “الأصدقاء” و”المقربون” الذين يعيثون فساداً في المنطقة العربية من أقصاها الى اقصاها؟ ويعقدون الصفقات ويتدخلون في التعيينات وكأنهم حكام البلاد؟
أن يشعر المواطن ان الوطن للشعب وليس ملكاً للجالس على كرسي السلطة، وينقل هذا الشعور بثقة لأولاده من خلال الممارسة، يمثل حالة راقية من المواطنة يتوق إليها المواطن العربي ويحلم بالوصول إليها يوماً ما. كل ذلك رغم ما تتمتع به كوريا من نجاحات لم يصل العرب إلى 20% منها
ما يميز ا لآخرون في الدول المتقدمة و الناهضة، وقد أصبحت كوريا واحدة منها، أن لديها آليات فاعلة لتصحيح الاخطاء، و وقف الفساد، والمراجعة والمحاسبة، حتى لو كان المتورط رئيس الجمهورية. ولا يتردد المسؤول بالاعتراف بالخطأ .فذلك جزء من المواطنة و من اللياقة السياسية و من الثقافة الوطنية، ومن الشعور بالمسؤولية.. فهل يتغير العالم العربي بهذا الاتجاه؟ هل يستعيد العقل و الضميرالعربي مكانته يوما ما؟ كفى ما أهدرته هذه المنطقة من أرواح و فرص و جهود و أموال و انسانية. كفى.. كفى..