بداية، ان منح الجنسية للمستثمرين، هي ممارسة معمول بها في بلدان كثيرة، وتهدف الى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية للمساهمة في تعزيز امكانات الاقتصاد الوطني، أو لتشجيع المهاجرين كما هو الحال في كندا مثلا، لكن هذه الممارسة تكون محكومة في اطار الظروف الموضوعية الاقتصادية أو الديموغرافية أو السياسية لتلك البلدان.
بمعنى أن البلدان الكبيرة في حجم اقتصادها مثل تركيا ( 906 مليارات دولار) أو كندا (1763 مليارا) أو سنغافورة (317 مليار دولار) لا تضع قيوداً مشددة على الاستثمار من طالبي الجنسية، وذلك بسبب الامكانات الضخمة للاقتصاد، والتي لا تتأثر الى حد كبير بتوجه المستثمر نحو استثمارات معينة.
أما في البلدان صغيرة الاقتصاد مثل الأردن (43) مليار دولار أو تونس ( 39 مليار دولار)، فان توجه المستثمر نحو نوع معين من الاستثمار من شأنه أن يترك آثارا ايجابية أو سلبية في الاقتصاد أو في السوق أو في الأسعار. واذا لم تهتم الدولة الا بدخول الأموال، و بايداعها في البنوك أو شراء سندات خزينة، أو ما شابه ذلك من نشاطات، فان الدولة تدريجياً تفقد قدرتها السيطرة على الأسعار، كما هو حاصل الآن لدينا في سوق العقار وفي تكاليف المعيشة.
وهذا واحد من الأسباب الرئيسة التي دفعت عاصمتنا عمان لأن تكون ثاني أغلى عاصمة عربية والسادسة والعشرين في الغلاء على مستوى العالم، ذلك أن أموالاً استثمارية كثيرة دخلت البلاد خلال السنوات الماضية، حتى وصلت نسبتها التراكمية 83% من الناتج المحلي الاجمالي، ولكن لم يذهب الجزء الأكبر منها لانشاء مشاريع انتاجية جديدة، وانما ذهبت لشراء موجودات قائمة وعقارات وأسهم في الشركات الأردنية، وبقوة شرائية أضعفت قدرة المواطن وامكاناته الاقتصادية.
فماذا سيفعل الموظف الذي لا يزيد متوسط دخله عن 500 دينار شهرياً اذا كان المستثمر غير الأردني يستطيع الشراء بمبالغ مرتفعة؟. والمسألة الأخرى ذات البعد الاستراتيجي الهام تتمثل في مآل عائدات الاقتصاد ذاته. ونحن اليوم لدينا أكثر من 54% من أسهم البنوك مملوكة لغير الأردنيين( مع الاحترام) وأكثر من 30 % من الشركات الكبرى مملوكة لغير الأردنيين، اضافة الى المباني والأراضي الكثيرة التي جعلت اسعارها خارج امكانات المواطن العادي، وفي نفس الوقت لم تضف شيئا يذكر للاقتصاد.
وهذا يعني أنه لا بد من مراجعة موضوع الاستثمار والجنسية وعدم التسرع بهما، والأهم من كل ذلك “وضع ضوابط اقتصادية حقيقية”، وليست مجرد ضوابط مالية أو نقدية من شأنها أن تفرغ الاقتصاد من محتواه، وتحول ثروات الأردنيين مع الزمن الى الفضاء الاقليمي أو الخارجي.
ومن هنا، فالمطلوب أن تعدل شروط الجنسية والاستثمار وربما في الاطار التالي: أولاً : أن يقوم المرتكز الأساسي للضوابط على المحافظة على الأصول والموجودات للأردنيين أنفسهم من جهة، ويرتبط باستثمار طالب الجنسية اضافة حقيقية للقدرة الانتاجية للاقتصاد من جهة ثانية.
ثانياً : أن يكون الاستثمار في مشاريع انتاجية جديدة أو توسعة ذات قيمة لمشاريع عاملة أو متعثرة، وليس شراء مشاريع قائمة.
ثالثاً: أن لا يكون الاستثمار في الأسهم والسندات والسوق الثانوي قبل عدة سنوات من انشاء المشاريع الجديدة. ويكون الاستثمار في مشاريع وفق خارطة استثمارية تعزز من التوجه نحو تصنيع القطاعات الاقتصادية المختلفة.
رابعاً: أن يكون تملك المباني لغير الأردنيين وفق ضوابط خاصة تأتي في مقدمتها رسوم اضافية في حدود 20% من قيمة العقار توضع في صندوق خاص لدعم المشاريع الاسكانية لصغار الموظفين ومحدودي الدخل.
خامساً: أن يكون الاتجاه العام نحو تأجير الأراضي لفترات زمنية بين 30 و 50 سنة، قابلة للتجديد، بدلا من بيع الأراضي، ومرتبطاً برسوم اضافية في حدود 20% لتمويل صندوق تنمية المحافظات ومشاريع جديدة في البوادي والقرى والأرياف.
سادساً : أن تكون المشاريع التجارية الجديدة مثل الأسواق الضخمة( المولات) وغيرها من مشاريع الخدمات مشروطة بأن تكون 75% من السلع فيها أردنية والعمالة فيها 90% أردنية.
وأخيرا، فان الخروج من الأزمة يتطلب دعم القدرة الانتاجية للاقتصاد الوطني بكل الوسائل، فذلك الطريق الصحيح للمستقبل.