منذ عام 1990 والحديث يدور حول برنامج الإصلاح الاقتصادي. وفي عام 2004 قيل للمواطنين اننا تخرجنا من برنامج الإصلاح، واصبحنا على الطريق الصحيح للنمو. وفي كل مرة، بعد اللقاءات والاجتماعات والتصريحات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يتبين أن الموضوع ليس اقتصاديا، وإنما هو موضوع مالي صرف يتعلق بالضرائب و رفع الدعم، وفتح السوق الأردني (للاستيراد) بدون قيود تحت اسم تحرير السوق، وانسحاب الدولة من الدور الاقتصادي، وبيع الموجودات لغير الاردنيين (مع الاحترام) بأسعار بخسة تحت اسم الخصخصة، وغير ذلك الكثير.. ولكن على مدى ثلاثة عقود لا شيء يتناول الاقتصاد في جوهره وعموده الفقري وهو الإنتاج، حتى ارتفعت البطالة إلى 18.4% وانخفضت مشاركة المرأة في قوى العمل إلى 14% ومشاركتها في النشاط الاقتصادي 13.7% وارتفعت نسبة الفقر إلى 15% وفي بعض المحافظات إلى ما يزيد عن 25%.
المشكلة الكبرى فيما يسمى الاصلاح الاقتصادي تتمثل في نقل «برامج» أو «وصفات» أو «تعليمات تحريكية تنشيطية»، دون مراعاة المرحلة التي يجتازها الاقتصاد، أو المحطة التي وصل اليها، أي لا يراعي الحالة الخاصة للاقتصاد الوطني. فاقتصادات الدول تشبه سباقاً مفتوحاً. بعض المتسابقين قطع مسافات طويلة وآخرون مسافات متوسطة والبعض كاقتصادات الدول النامية لا زالت في مرحلة الانطلاق. فالاقتصاد الامريكي أو الاوروبي قطع مسافات كبيرة ولذلك لا احد هناك يتكلم عن الإنتاج أو الصناعة أو المشاريع الانتاجية، لأنه تحصيل حاصل، وواقع يعيشة الناس هناك. بينما هو غائب أو في بداياته الأولى في المنطقة العربية. كما ان الحديث عن «الفكفكة» والخصخصة في امريكا أو أوروبا أو الصين، لا يحمل أي خطر على الاقتصاد الوطني هناك لوجود المؤسسات الوطنية الراسخة، والاقتصاد الضخم، والادارة الحازمة القادرة التي تستطيع التعامل مع ذلك، عكس ما هو موجود لدينا.. وهكذا.
ومن هنا فإن أي «اصلاح اقتصادي» في بلادنا لا يتناول التصنيع والمشاريع الجديدة المنتجة للسلع والخدمات عالية القيمة، وتمويل هذه المشاريع ،وحل مشكلات المصانع المغلقة والشركات المتعثرة، واي اصلاح اقتصادي لا يشجع المستثمر على بناء مشاريع إنتاجية جديدة وليس شراء ما هو موجود، أي اصلاح من هذا القبيل لا يعتبر اصلاحا اقتصاديا، بل قد يكون تخريبا اقتصاديا لأنه يضع الاقتصاد الوطني في ظروف لا يستطيع مواجهتها فيأخذ في التراجع، كما وقع خلال الـ 30 سنة الماضية.
ما هي برامج الإصلاح الاقتصادي التي دفعت الهند والصين وكوريا وماليزيا وسنغافورة إلى الأمام والى مقدمة الاقتصادات العالمية؟ جميعها بدون استثناء قامت على التوسع في الإنتاج، وانشاء المشاريع الجديدة، ورفع مستوى التكنولوجيا، والقدرة على التنافس. وما لم يتحقق مثل هذا الأمر لدينا، فإن الإصلاح الاقتصادي يكون مجرد كلام لا مردود وراءه سوى تعميق الازمة الاقتصادية.
ولان الحكومة بصدد وضع برنامج للاصلاح الاقتصادي كما ذكر نائب رئيس الوزراء رجائي المعشر في لقائه مع الصحفيين، مع أنه تحدث فقط عن الضريبة والمال ولم يتعرض للاقتصاد، فقد يكون مفيداً أن تلتفت الحكومة إلى المسائل الرئيسية التالية حتى يكون هناك تغيير حقيقي في المستقبل: 1- حل مشكلات المصانع المغلقة والشركات المتعثرة بالتعاون مع البنوك والخبراء. 2- توجيه اية معونات أو منح أو هبات لانشاء مشاريع إنتاجية جديدة. 3- تحويل المسؤولية المجتمعية للشركات للسنوات العشر القادمة نحو إنشاء مشاريع إنتاجية جديدة في المناطق الفقيرة تشارك فيها المحافظات وترعاها الدولة. 4- تخصيص 200 مليون دينار سنويا من الموازنة لانشاء مشاريع إنتاجية في المحافظات. 5- تعزيز الحماية المقدمة للانتاج المحلي من السلع والخدمات من خلال دعمها بالخبرات و مشاركة الأكاديميا، وتطوير تكنولوجيا الإنتاج فيها.
6- الاهتمام بصغار المستثمرين من خلال جمعيات وشركات تعاونية تساندها الإدارة المحلية.